مرّ الأسبوع الأول من الإجازة وكأنه دهر بالنسبة لليالي.ولم يكن حال خالد أفضل من حالها،وبنهاية ذلك الأسبوع،أخبرتها أمها بأن زوجة عمها الذي يقطن مدينة بعيدة أخبرتها بأنهم سيأتون لزيارتهم.ولم تخفِ الأم تخمينها لسبب الزيارة المفاجئة خصوصا أن أسرة عمها لم تعتاد القدوم الى مدينتهم الأم إلاّ في إجازات آخر العام،(احساسي يقول انهم راح يخطبونك لوليد)قالتها الأم بفرح ولكنه ما لبث أن أنقلب إلى اندهاش شديد من ردة فعل ابنتها.التي انتفضت وكأنها سمعت خبراً مفجعا،استغربت الام هذا التصرف من ابنتها لأنها لم تكن تعلم شيئا عما حدث بين ابنتها وخالد واخواته،ظنت ان هذا التصرف ناجم عن خجل ابنتها وارتباكها لسماع الخبر،اوصتها بالاهتمام بزينتها لتبدو بأجمل صورة،ولم تنسَ ان تنبهها الى ضرورة رمي الهموم جانبا والتفاؤل للحياة،رغم انها لا تعلم سبب ذلك اصلا،في اليوم التالي كانت أسرة عمها تنزل ضيفة عليهم،وكان ما توقعته الأم صحيحا،دهشت ليالي اشدّ من ذي قبل،وهي التي طمأنت نفسها بأن وليد من المؤكد ان دراسته خارج الوطن قد أنسته ابنة عمه التي فرضت التقاليد عليها منذ الصغر بأن تكون الزوجة الموعودة له، لم تحاول ان تبدي اعتراضها ولم تجد بّدا من الموافقة، (يالله يمكن خيرة عشان انسى خالد وعذابه) قالت لنفسها في تلك الليلة وهي تحاول ان تنام ولو قليلا من اجل الاستعداد لليوم التالي والذي سيكون متعبا جدا لها، سيراها وليد غدا ، ولا تريد ان يبدو عليها الشحوب والاعياء، ولكن النوم حزم حقاءبه الى غير رجعة في تلك الليلة.
في غضون اسبوعين وجدت ليالي نفسها زوجة لابن عمها وليد، والذي يحبذ ان يناديه من حوله أبو خالد، كانت تغصّ كلما ناداه احدهم بتلك الكنية ،حاولت التفاني في إسعاد زوجها وإبعاد طيف خالد عن مخيلتها وقد نجحت أخيرا ،فليس من المعقول أن تعيش مع وليد وطيف خالد يرافقها ، اضطرت لتأجيل دراستها الجامعية من أجل مرافقة زوجها إلى الدولة التي يدرس فيها فهو ما زال طالبا في احدى الدول العربية، كل تلك الأحداث سمع بها خالد وعايشها ، ولكنه كما قال العربي من قومٍ اذا احبوا ماتوا،، لم يستطع احتمال كل تلك الصدمات وبدا شاردا حزينا فهو يعلم أن في القصة أمرا لا يعلمه هو ولا تعلمه ليالي ،حاول أهله تخليصه من تلك الحالة النفسية السيئة ولكن بلا جدوى ، فهو لا يكاد ينساها ولو لبضع لحظات حتى يعود يذكرها ،حاولت أمه وأخواته خطبة احدى الفتيات له عله ينساها ولكنه رفض، ( حلفت ما اتزوج غيرها انتم وش فيكم خلوني بهمي ) جاوبته امه باكية ( بس يايمة البنت تزوجت خلاص،، مو معقولة تعيش طول عمرك بدون زواج )،، اجابها بتهكّم ٍعلى حاله( عمري؟؟ وين عمري,, ما بقى بالعمر شي يمة ) .. ذهلت امه من جوابه ولم تشأ ان تجادله وغادرت المكان والدموع تنساب من عينيها.
مرّ عام كامل على زواج ليالي من وليد وانتهى اخيرا من دراسته، وعاد مع ليالي إلى أرض الوطن ، كانت ليالي حاملا في شهرها السابع ، شعر وليد بالتوتر الشديد من اجلها ، فهو يخشى أن يصيبها التعب والإرهاق لطول الطريق ، لأنهما لم يتمكنا من العودة إلاّ برّاً، ولكن ليالي طمأنته بأنه لن يصيبها إلاّ ما كتب الله لها ، وفي نفس الللحظات كان أصدقاء خالد يجهزون حقائب السفر لقضاء إجازة نصف العام في تلك الدولة ،وبالكاد اقنعوا خالد بمرافقتهم، علّه يخرج من اجواءه الحزينة التي ارغم نفسه على العيش فيها منذ أن تزوجت ليالي،دخل وليد وليالي الأراضي السعودية أخيراً ،وفي نفس تلك اللحظات كان خالد واصدقاؤه قد اوشكوا على الوصول لذلك المنفذ،انشغل محمد الذي كان يقود سيارتهم بمكالمة هاتفيه،انفعل وأخذ يشتم المتصل،وفجأة فقد السيطرة على السيارة،واصطدمت بالسيارة المقابلة،وفي لحظات كانت الدماء تملأ المكان،تجمهر المسافرون حول السيارتين،وبعد مايقارب النصف ساعة وصلت سيارتا اسعاف نقلت المصابين الى المستشفى،وهناك كانت المفاجأة،لم تكن السيارة الأخرى إلا سيارة وليد وليالي،كانت حالات المصابين تتراوح مابين الاصابات الخفيفة والمتوسطة،ما عدا حالة خالد وليالي،كان خالد قد تعرض لإصابة بليغة في الرأس،نزف كثيراً ولم يستطيعوا إسعافه،وتوفي قبل أن يصل إلى المستشفى،أما ليالي فقد وصلت إلى المستشفى بين الحياة والموت،اضطرّ الاطبّاء إلى اجراء عمليه قيصرية لها لإنقاذ حياة الطفل،ومن ثم وضعه في الحاضنة حتى يكتمل نموّه،وهنا كانت المفاجأة الأكبر،لقد كانت ليالي حاملاّ بطفلين،تمكنوا من انقاذهما ،ولكن الأم اسلمت الروح لبارئها قبل ان تفيق من المخدر،وفي نفس اليوم حضرت العائلتان المكلومتان بموت ابنائهما،عائلة ليالي وعائلة خالد،انهو جميع الاجراءات وساروا بهما في جنازتين متتاليتين،وقبروهما في قبرين متجاورين،كان وليد لا يزال في المستشفى لايعلم شيئاً مما حدث،فهو مازال في غيبوبة جراء الحادث،وعندما أفاق سأل من حوله عن ليالي،اخبروه أنها بخير،صرخ بهم وأين هي الآن،لم يتمالك والدها نفسه من البكاء ،وكان الجواب في دموعه، (ماتت..صح ياعمي؟ ليش ماتردون؟ وينها ليالي؟ ).
انهار وليد كطفلٍ فقد أمه،حاولوا التخفيف عنه وأخبروه أن ليالي انجبت طفلين في غايه الجمال،أنجبت بنتاً وولدأ،وأن عليه أن يختار لهما اسمين،تذكر أن الكل كان يناديه أبو خالد ،حتى ليالي عوّدها على ذلك، قال بسرعة: ( الولد راح اسميه خالد، أمّا البنت اسمها ليالي،ولو ان غياب ليالي ماراح يعوّضه شي.)
وبعد شهرين خرج الطفلان من الحاضنة وتكفلت أم ليالي وأسرتها بتربيتهم ،ومن يومها اقترن اسم ليالي الصغيرة باسم خالد الصغير، وهو مالم يتحقق لأمهما ليالي وابن خالها خالد في حياتهما ،وتحقق لهما في مماتهما.