خيانة وطنية عظمى أم هزيمة حضارية

رّف بعض المراجع القانونية الخيانة العظمى بأنها "شن الحرب ضد الوطن، أو الولاء لأعدائها، أو تقديم العون والمساندة لهم." وحين تتصفّح بعض مواقع ومنتديات الانترنت تجد صعوبة بالغة في نسيان هذا المفهوم القانوني (الخيانة العظمى) فمؤشرات "الحرب على الوطن" "والولاء لأعدائه" "تقديم العون والمساعدة لهم" تكاد تكون واضحة وضوح الشمس في كثير من هذه المنابر الالكترونية. وتزداد الإشكالية وضوحا حينما تقضي بعض الوقت متتبعا محاور وموضوعات بعض المنتديات المحسوبة على السعوديين حيث ينتابك شعور لا تملك له تفسيرا وهو ما الذي جعل جُلّ موضوعات المشاركين تظهر تحت راية سوداء شعارها الانتقاص والتهييج ضد كل شيء في وطننا؟. وإذا نجحت في طرد هذا الشعور فماذا تصنع حين ترى (بكل وضوح) وأنت تقلّب عناوين وقضايا ملفات هذه المواقع أن معظم مشاركات كتابها لا يمكن أن تخرج عن مفهوم التهييج والسخرية إذ لم تنج قيمة أو خصيصة اجتماعية من الانتقاص وكأن القانون الوحيد الواجب الاتباع عند هؤلاء هو أن "لا حصانة لقيمة" ولاشيء صالحا في هذا الوطن".
تبحث عن مظاهر الرغبة في الإصلاح أو التنوير كما يحاول الاعتذار بعض من يتحمّس لهذه المواقع فلا تجد في كثير من الموضوعات المطروحة إلا التوزيع الفوري للعبارات الحانقة التي تضمن لك كل (الكميات) التي تريدها من بطاقات الوقود المجانية الشاحنة لكل أسباب الاحتراب الاجتماعي والسياسي، وتجتهد في محاولة ربط بعض القضايا الساخنة الكترونيا بمفهوم النقد والتصحيح فلا تجد أمامك إلا أبواب الشتيمة على مصراعيها في حين لا مخارج للعقلاء الهاربين من فحيح التشاحن، ولا منافذ تهوية لمن لا يتنفس عقله إلا بروح مجتمعه ووطنه.

ما بال أقوام يصرون على إظهار صورة "الرأي السعودي الآخر" على صفحات الانترنت بهذا السواد المريع؟ ولماذا يتنافس بعضنا على تحويل صوت "المختلف" الجميل إلى صيغة "المخالف" الخصم المحتقن؟ ولمصلحة من تتحوّل كل مشكلاتنا الاجتماعية اليومية - التي هي سمة كل مجتمع - إلى عناوين ملتهبة في كل منتدى أو على كل شاشة (فضائحية).

والسؤال هنا إذا لم تكن هذه الوقائع الالكترونية ضربا من ضروب الخيانة الوطنية بحسب النصوص القانونية الصارمة، فهل يمكن أن تكون كل هذه المظاهر إحدى إفرازات الاستلاب الحضاري والهزيمة النفسية للهوية الوطنية أمام غول العولمة الحضارية؟ تصفّح معي (وقد فعلتُ) على سبيل المثال ثلاث منتديات الكترونية شهيرة وتابع عناوينها لمدة ثلاثة أيام على سبيل التجربة، أكاد اجزم أنك لن تجد شيئا جميلا عن الوطن ذكروه وأعلوه، كما ولن تقرأ تحليلا ايجابيا عن أية قيمة اجتماعية أو فكرية من مكونات مجتمعنا أو على الأقل طرحا يعزّز القيم أو يضيف لها. وفي المقابل ستجد أن كل العورات الثقافيّة والاجتماعيّة (وهي موجودة) وحدها التي لها القدح المعلّى في الإبراز والتنافس على المواقع الأبرز في صفحات معظم هذه المنتديات. ترى من المستفيد من تصوير حياتنا الاجتماعية بهذا العبوس والتجهّم؟، ومن المتضرر من تحويل حياتنا إلى شكوى وتذمر وعدم رضا عن أي شيء وكل شيء.؟ ألسنا نحن؟ لماذا يحاول بعض أهلنا تصوير حياتنا بهذه الصورة الكئيبة، ألا يوجد في حياتنا ومجتمعنا من الجمال ما يستحق الاعتبار؟ ألا يعلم هؤلاء أن أجيالا كاملة يتشكّل وعيها الثقافي والوجداني اليوم عبر شبكة الانترنت؟ ترى ماذا يجد هؤلاء أمامهم؟ كيف ساغ لبعضنا أن يحيلوا حياة ومستقبل هذا الجيل القادم إلى يأس من كل شيء، وغضب من كل أحد.

لم يعد مهما معرفة نوايا ومناقشة سر استمتاع أعضاء (حزب الكآبة) بنشر كل عيب وخطيئة في حياتنا، ولكن يبقى الرجاء والأمل أن يظهر بيننا متطوعون رائعون لينتصروا للجمال المغيّب في حياتنا ووجودنا.. وإنا لمنتظرون؟

مسارات

قال ومضى: مشكلتك الحقيقية ليست في كثرة الخصوم، ولكنها في قلّة (الأصدقاء الجيدين) من بين من (اخترتهم بنفسك)؟


بقلم د : فايز بن عبد الله الشهري