السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هروب عَالـِم إلى بستان العِشق
طوق اليمامة ...
أو ... طوق الحمامة ...
أو ... اليمامة المطوّقة ...
إنها طائر صغير بني ّ اللون ..
وأحيانا ً أبيض في أصفر في أحمر ...
وحول عنقه طوق من اللون البني ّ ...
والطوق ليس كاملا ً ..
ويحاول الناس تفسير ذلك .. وهناك حكايات ...
واحدة تقول :
إن ّ هذه اليمامة قد رأت أمّا ً تعذب ّ طفلتها ...
وتلف ّ حول عنقها حبلا ً لتقتلها ..
فما كان من هذه اليمامة إلا أن هجمَت عليها وفقأت عينها ...
فسقط الطوق من يدها ..
ولذلك فهي تتوارث هذا الطوق الذي لم يلتف ّ تماما ً حول الطفلة البريئة ..
وعند الإغريق قصة أخرى :
وهي أن سيّدة أيضا ً كانت تقسو على طفلة ..
وكانت تـُرهقها بالعمل مقابل 18 درهما ً إغريقيا ً ...
ورأت هذه الطيور هذا العذاب اليومي ..
فاتجهّت الطفلة إلى الله وطلبت الرحمة وإنقاذها من هذا العذاب ...
فأنقذها وأمر هذه اليمامة أن تفضحها في كل مكان ...
فكان صوت اليمامة يقول : ( ديكا - أوكتو ..ديكا - أوكتو ) ..
وديكا معناها : عشرة ...
و .. أوكتو معناها باليونانية : ثمانية ..
أي 18 درهما ً ..
وجاء العالـِم الشاعر ( ابن حزم الأندلسي ) من حوالي ألف سنة
وألف ّ كتابا ً له بعنوان ( طوق الحمامة ) ...
ألـّفه وهو في الثلاثين من عمره ...
وكان هذا الكتاب غريبا ً في أسلوبه في زمانه ...
وغريبا ً من عالـِم كبير أن ينصرف إليه عن دراسة المذاهب والهجوم
العنيف على رموزها ..
إلى إيداعه السجن ... ثم هروبه إلى جزيرة ( مايوركا )
ثم هروبه منها يطارده الولاة والعلماء .. حسدا ً وحقدا ً عليه ...
فقد كانت لابن حزم اجتهادات .. وجاهر َ برأيه في كل الذين تسلطوّا على
العقول والنفوس والأبدان فأغضب الجميع ... وضاق به الجميع فهرب منهم ..
ولذلك جاء كتابه ( طوق الحمامة )فضيحة للعاشق والمعشوقة ..
لقد كشف بهذا الكتاب البديع :أعماق النفس العاشقة ...
وخيبة أمل العاشق في المعشوقة ..
كتبه نثرا ً وشِعرا ً ...
ووضع كل هذه اللمحات الذكية والحكايات الغرامية في عنق الحمامة
وقال لها : طيري وانشري جناحيك ِ وافضحينا ...
قال أمير الشعراء أحمد شوقي :
نحن في الحب ّ حديث مَن بَعدنا ..
وكذلك فعل ابن حزم الأندلسي ...
فضح قلوب العشاق ..
وكشف لنا هذا الكتاب عن جوانب لم نكن نعرفها في
ابن حزم وفي زمانه ...
فلم نكن نعرف كل هذه الأسرار والحيل التي يلجأ إليها العشاق ...
ولاعرفنا النظرة ...
وانواع النظرات ...
والإبتسامات ..
والهمسات ...
و...
اللمسات ..
لقد أراد ابن حزم أن يقول لنا :
(( إن ّ العالـِم إنسان ...
والعاشق إنسان ..
يُحب ّ ويكره ... ويشتاق ويتعذب ّ ))
وكتاب ( طوق الحمامة ) لابن حزم الأندلسي كان فاتحة
لسلسة طويلة من الكتب في اللغات الأوروبية بين العشاق والمحبين ..
وزادوا عليها كل الذي منعه العفاف أن يقوله ..
وفي كثير من كتب الغرب في اللغات الإسبانية ..
والفرنسية ...
والإيطالية ...
يضع عبارة أو نادرة لابن حزم الأندلسي بما يدل ّ على أنه قرأ ...
( طوق الحمامة ) ووضعه مفتوحا ً أمام عينيه ..
وكتب مخالفا ً أو مؤيّدا ً ...
وفي الصفحة الأولى من كتاب ( طوق الحمامة ) التي نـُشرَت في هولندا
سنة 1914 ...
كتب المستشرق ( بيرون ) يقول : لولا أن ابن حزم قد جعل
طوق هذه الحمامة من الياسمين والورود ..
ثم نشر عليها الكثير من العطور
لـَنـَادَت الحمامة تحت هذه الفصوص من الأحجار الكريمة ..
إن ابن حزم نموذج رفيع من العاشق النبيل ...
إلى جانب أنه .. عالـِم عظيم لامع ...
إن ( طوق الحمامة ) تحفة أدبيّة وهديّة عمرها ألف سنة مِن ...
مُحب ّ شاعر ... هرَب َ من العلماء إلى بساتين العشاق ..
**موضوع قرأته بين أوراقي..
واستمتعت به كثيرا ً لما فيه من معلومات كنت أجهلها ...
ولما فيه من تقدير لمشاعر الإنسان بغض ّ النظر عن
منصبه ...
وعلمه ...
ومكانته ...
فالحب لايُفرّق بين
المناصب ..
والثقافات ..
والجنسيات ..
والقلوب ...
والقلوب هي هذا البئر العميق ...
والمحور الأساسي ...
والمحرّك الرئيسي ...
وهي منبع المشاعر ... ومنتهى الأحاسيس ...
منها تبدأ شرارة الحب ... وفيها تنتهي نيران العشق ...
لاتتقيّد بقوانين ...
ولاتخضع لمبادىء ...
ولاترتهن بأحكام ..
هي ليست ملك ٌ لنا ...
بل نحن نتبعها ... ونسير حسب نبضها ...
وأمرها بيد خالقها وحده سبحانه ...