كـانـت .....
يـــدُ الـفـجـرِ الـمـطـلِّ تـهـزُّ أعـمـدهَ الـظـلامْ
والليلُ يـرحـلُ ..
لابـســاً ثـوبَ الـحِـدادْ
والأفُقُ ..
يغسل وجهَه بالنُّورِ من أثَرِ الرُّقادْ
ودروبُ قريتِنا تَفِرُّ من الوجومْ
تصحو على خُطُواتِ فلاَّحٍ
وهَرْوَلَهِ القطيعْ
ونداءِ راعيهٍ تصيحُ على الغنمْ
فيسيرُ بعضُ قطيعِها طَوْعَاً وبعضٌ لا يُطيعْ
في بيتنِا المبنيِّ من حَجَرٍ وطينْ
نصحو على صوتِ المؤذِّنِ في الصَّباحْ
يدعو عبادَ اللهِ
( حىَّ على الفلاحْ )
( الله أكبرُ ) يا نيامْ !
في حينها تهتزُّ قريتنًُا وتربو
في حينها تهفو مشاعرنا وتصبو
( الله أكبر ) يا نيامْ
صوتٌ تردِّدهُ الجبالْ
تُصغي له آفاقُ قريتنا
وتنتفضُ التِّلال !
في بيتنا المبنيِّ من حَجَرٍ وطينُ
( قَبَسٌ ) تُشَبُّ ...
و ( ملهٌ ) يُخفي جوانبهَا الرّمادْ
من حولها ( جَحَلٌ ) و ( منفَاخٌ ) و ( صَحْفَهْ )
وأمامها أمي تَشُبُّ النارْ
في يدِها عجينَهْ
والبيتُ تغمرهُ السكينهْ
يا لُقْمَهَ العيشِ الحلالْ
كم كان يغسلُها أبي بالسعي والعَرَقِ الغزيرْ
كم كان يمسحُها بمنديلٍ من الأملِ الكبيرْ
كم كان يُنْضِجُها على لَهَبٍ
من الألَم الوَقورْ
يا لقمهَ العيشِ الحلالْ
طعمُ الرمادِ وطعمُ ملَّتِنا العتيقهْ
شئٌ يسوقُ لنا الخيالَ الرَّحْبَ ...
في ثوبِ الحقيقهْ
في بيتِنا المبنيِّ من حجرٍ وطينْ
كنَّا ننامُ على الحصيرْ
ونخيطُ من أحلامِنا ثوبَ الحبورْ
ونمدُّ بين قلوبنا أقوى الجسورْ
كنَّا نصوغُ مساءنَا
شوقاً وأنغاماً ونورْ
حتى إذا رفعَ الصَّبَاحُ يَدَ السُّفًورْ
سَعِدَتْ به آذانُنا شَدْواً
تردِّده الطيورْ