تبوك السحابة .. و بنت المطر

زرت مدينة تبوك قبل 13 عاما، وقدر لي زيارتها قبل أسابيع من هطول الأمطار الأخيرة عليها، في جولة صحافية نشرت جلها في «عكاظ»، وتشرفت فيها بلقاء صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلطان بن عبدالعزيز أمير المنطقة، والتقيت كافة المسؤولين وعدداً من المواطنين فيها، ووقفت على المشاريع المنجزة وما هو قيد التنفيذ فيها، ولا شك أن تبوك مثلها مثل كل المدن الطرفية تشهد نهضة تنموية كبيرة إلا أنها تحتاج إلى المزيد من الاهتمام وتوجيه بوصلة المشاريع التنموية نحوها.

تبوك الأمس غير تبوك اليوم ولا ينكر ذلك إلا جاحد، وما أنجزه الأمير فهد فيها عمل ضخم بكل المقاييس، وما تعرضت له بعض أحياء المدينة من أضرار جراء الأمطار والسيول، خاصة الأحياء الجنوبية العشوائية «الرويعيات، أبو سبعة، كريم، ورحيل»، أمر وارد ويحدث في كل بلاد الدنيا ونشاهده على القنوات الفضائية دائما، ولم يتمن أحد أن يحدث، ولكنها مشيئة الله، ونتيجة حتمية عندما تخالف الأنظمة وتنشأ العشوائيات وليس هذا اعتذار للسيل وعلى الرغم من أن هناك عملا كبيرا ينجز لتأهيل هذه الأحياء ومشروع ضخم لدرء مخاطر السيول كان أوشك على أن ينجز، وقفت عليها بنفسي، وتحدثت عن هذه الأحياء مع سمو الأمير فهد، الذي قال لي عنها في حينه: «الأحياء الجنوبية في مدينة تبوك هي مثل الأحياء التي يصفونها في المناطق الأخرى بالعشوائيات، وهذه الأحياء الجنوبية هي أحياء عشوائية، سكانها من أبناء البادية، جاءوا إليها من كل مكان، وكان كل واحد منهم يأتي إليها ويبني له بيت من الأبلاكاش أو من الزنك، وبعدها يطوره ويبنيه، وكانت هذه الأحياء بلا شوارع وبلا إنارة وبلا غيرها من الخدمات، وكانت إذا جاءت عمالة تسكن فيها، ولكن الآن الحمد لله، بدأنا ندخلها تدريجيا ضمن المدينة، وستنضوي تحت مظلة المدينة قريبا بإذن الله»، ولكن مشيئة الله ساقت المطر والسيل قبل أن تكتمل هذه المشاريع، ولا راد لقضاء الله، ولا ينقص ذلك من أن هناك عملا كبيرا ينجز، وجميعنا على ثقة بأنه سينجز بإذن الله بجهد مضاعف.

26 عاما أمضاها الأمير فهد بين أبناء تبوك، وأعلم تماما كم أن تبوك وأهلها أثيرون لدى نفسه، وكم أنه أحزنه ما حدث للمتضررين، لقد قال لي عنهم عندما التقيته: «الحمد لله.. المواطن في منطقة تبوك مواطن صالح، ويعمل بشكل جيد، ويتفاعل مع المشاريع بشكل سريع وبشكل ممتاز، وهذا التواصل ما بين المواطن وبين الجهات التنفيذية أمر يسهل الكثير من الأمور، ولا يستطيع الإنسان أن يقوم بعمل ما إذا كان المتلقي لهذا العمل ليس متفاعلا مع العمل نفسه ومع من يقوم بهذا العمل، وإن شاء الله أن منطقة تبوك مثلها مثل المناطق الأخرى في المملكة تعيش نهضة كبيرة من التطور والتنظيم للأفضل، وإيجاد الإمكانيات وما يستحقه الإنسان السعودي؛ فالإنسان السعودي والأسرة السعودية تستحق أن تعيش في بيئة صالحة، سواء في سكنه، سواء في تنقلاته، سواء في تعليمه، أو في صحته، أو في الخدمات التي تقدم له، ويجب أن تكون جميعها بمستوى لائق به كإنسان سعودي، وهذا ما يعمل عليه». وعندما هطلت الأمطار كنت أتصل بالإخوة في إمارة المنطقة للتحدث مع الأمير فهد، وكنت أعلم كم أن الأمير فهد يعاني من عارض صحي في الظهر ــ لاحظته عليه عندما التقيته حينها وعلمت أنه يلازم السرير الأبيض خارج المملكة، ولا يقوى حتى على الكلام معي من شدة الإعياء، ثم علمت أنه خالف نصيحة الأطباء وتجاسر على المرض والألم ليعود إلى مدينته وأهله ليطمئن عليهم ويشاركهم مصابهم ولم أستغرب؛ لأنه فهد المواطن والإنسان قبل أن يكون الأمير والمسؤول، وكلنا على ثقة من أن تبوك وإنسانها ومسؤوليها سيضمدون الجراح التي خلفها السيل قبل أن يجف ماؤه؛ لأن الحب الذي لمسته في قلب أميرها وفي قلوبهم لها، لا يمكن له إلا أن يكون بلسما يداوي كل الجراح، وكما قلت ليس ذنب المشاريع فيها أن السيل داهمها قبل أن تنجز، تلك مشيئة الله ولا راد لقضائه، وما ينتظر تبوك من نهضة وتطور وحماية لإنسانها ومقدراتها عمل كبير جدا لا يمكن اختزاله أو الانتقاص منه، وكلنا على ثقة أن المستقبل سيحمل لتبوك وأهلها نموا وإنجازا أسرع في كل المشاريع، حمى الله وطننا من كل سوء.

د. محمد الحربي

السيف
يعطيك العااااااااااااافيه