كان مفهوم الفنان الشامل يعني الفنان القادر على التمثيل والغناء والرقص، متجاوزا ما يقتضيه التميز في الفن من تخصص يحرص كثير من الفنانين الجادين أن يلتزموا به ولا يتجاوزوه فحسبهم أن يبلغوا في فن من الفنون مستوى الإجادة والتميز والوفاء بشروط ذلك الفن والإخلاص له.
في عهد شركات الإنتاج والقنوات الفضائية، وتحويل الفن إلى مجرد سلعة أصبح للفنان الشامل معنى أكثر اتساعا انتهى به أن يكون شاملا حتى وإن لم يعد فنانا، أصبح الفنان مغنيا وراقصا وممثلا ومقدما للبرامج ومديرا للحوارات وعضوا في لجنة تحكيم؛ وذلك وفق عقد مع شركات الإنتاج المتعاقدة مع تلك القنوات، أو مع القنوات نفسها حين تكون منتجة لما تقدمه من برامج ومواد تلفزيونية، هذا العقد يخول القنوات أن تطلب من الفنان، أو من الذي من المفترض أن يكون فنانا أو كان ذات يوم فنانا، تطلب منه ما تشاء وليس له إلا أن يستجيب ما دام المبلغ المتفق عليه في العقد يعوض له ما يفقده من سمعة فنية وإن لم يعوض للناس ما تصاب به ذائقتهم من فساد، ووعيهم من ارتباك.
في عصر غلبت فيه الروح الاستهلاكية على الفن، وغلب فيه التجار على صنعة الفن أصبح الفنان رخيصا حتى وإن ارتفعت قيمة العقد الذي يبرمه مع هذه القناة الفضائية أو تلك، أصبح كائنا مبتذلا يقفز من مشهد إلى مشهد، ومن برنامج إلى برنامج ومن مسلسل إلى مسلسل، فيكون مرة لاعب سيرك، ومرة عازف طبلة، ومرة مذيع برنامج يصف طريقة تقشير البصل، ومرة عضو هيئة تحكيم برنامج مسابقات وليس بمستبعد أن تستثمر القنوات التي تعاقد معها بقية وقته لتنظيف استديوهات التصوير، وتعقيم دورات المياه.
في عهد استهلاك الفن، وتلاعب شركات الإنتاج بذائقة المتلقين، وتسابق القنوات على الترويج لكل بضاعة فاسدة لم يبق من الفن ثمة ما يستحق الاحترام، ولم يبق من الفنانين من يستحق التقدير.
سعيد السريحي
عكاظ