استبشرت وزملاء المهنة خيرا عندما بدأت الوزارات في تسمية المتحدثين الرسميين لها، وانهالت علينا التعاميم الواردة من وزارة الثقافة والإعلام المتضمنة أسماء وأرقام هواتف متحدثي تلك القطاعات وأفرعها، لكن هذه البشرى لم تكتمل فرحتها.
كل ما تقدم في نظري ونظركم مقدمة لإجراء طبيعي يهدف إلى استسقاء وسائل الإعلام للمعلومات من مصادرها الرئيسية، وكان المنتظر من بعض المتحدثين إحداث نقلة في التواصل مع وسائل الإعلام بعيدا عن التهرب والمماطلة أو التبرير في بعض الأوقات.
يمضي الإعلاميون جل يومهم في سباق محموم بحثا عن المعلومة من منطلق رسالتهم، لكنهم يصدمون بواقع مرير، لا يعبر عن كل المتحدثين، ولكن عن فئة باتت تتضجر من الاتصالات والتساؤلات لدرجة التهرب وإغلاق الهواتف وتحويلها على خدمة (موجود)، وانتظار الرد المتأخر الذي يخضع لمزاجية المتحدث ووقت سعادته الثمين وما يجود به، والبعض منهم عاد إلى الأسلوب التقليدي المراسلة بالفاكس، حتى ولو كانت المعلومة عن استفسار واحد لا أكثر.
هذه العدوى لم تكن وحدها مقتصرة على المتحدث الرسمي، الذي تجده في بداية تسميته حريصا على التواصل وإرسال صورته بحثا عن الشهرة و«الترزز» في صفحات الصحف يوميا، وسرعان ما يتضخم ويدخل في نفق التهرب من الاتصالات والرد بحجة عدم وجود معلومات لديه، وهذا يقود البعض إلى الاتجاه للمسؤول الأول في تلك الإدارة المعنية، والذي تجده دائما مشغولا في اجتماعات لا تنتهي ويفضل الإحالة للمتحدث الرسمي، أو المراسلة عبر الرسائل القصيرة والواتس أب.
وبين هذا وذاك، يفرض المتحدث على المسؤولين في إدارته عدم التحدث لوسائل الإعلام أو الإدلاء بأي معلومات إيضاحية، وذلك بقرار من المدير المسؤول، وهذا حق مشروع له، مثل ما هو الحق للإعلاميين في الحصول على الرد لتبصير القارئ وإيضاح الحقائق وإغلاق باب الاجتهادات والنقل المغلوط للوقائع.
المتابع الجيد للمتحدثين الرسميين يلاحظ ظهور البعض منهم على قنوات تلفزيونية للتعليق على حدث أو قضية ما تخص إدارته، وتجده نصب في هذا الموقع لمهمة اقتصرت على التبرير والدفاع فقط، وعلى العكس تجد فئة أخرى تبذل جهودا مضنية لتوفير المعلومة في وقت قياسي، وليس عيبا الاعتراف بالأخطاء والقصور، ولكن العيب هو التمادي فيها أو التبرير للمخطئين لتحسين صورة إدارته أو المحافظة على موقعة.
قبل عام مضى، نظمت وزارة الثقافة والإعلام ورشة عمل (المتحدث الرسمي وكيفية التعامل مع وسائل الإعلام)؛ بهدف مواكبة آخر المستجدات المهنية في تطوير مهارات المتحدث الرسمي والتقيد بما يحقق المصلحة العامة وينسجم مع سياسة الدولة، وشددت على المرونة في التعامل مع وسائل الإعلام، والصدق والدقة في استقاء المعلومات من مصادرها الأصلية، والقيام بدراسة مسحية متعمقة لواقع المتحدث الرسمي والتحديات التي تواجهه عن طريق منهجية متعمقة، وتخصيص دورات للمتحدثين الرسميين لتطوير مهاراتهم وقدراتهم والتركيز على تأهيلهم وإعدادهم قبل تعيينهم لأداء مهامهم، وبالأخص مهارات مواجهة الجمهور.
تلك الورشة وضعت توصياتها النقاط على الحروف بين المتحدثين والإعلاميين لإيصال المعلومات للمتلقي، والتصدي للشائعات التي باتت تبث من خلال المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، لكن هذا لم يتحقق بعد، إذ أصبح المتحدث لا يتحدث ويحتاج هو الآخر إلى متحدث.
واقع هذه المهمة يحتم على كافة الوزارات إعادة تأهيل المتحدثين من خلال تنظيم دورات لتطوير المهارات والقدرات، ولا سيما أنها ذات علاقة مباشرة مع الجمهور وتتطلب معايير خاصة، فالمهمة التي أسندت لهم ليست شرفية أو للبرستيج أو للتعبير عن رأيهم، بل يقع على عاتقهم أمانة وواجب وطني يجب أن يؤديا على الوجه الأكمل.
عبد الله الحارثي
عكاظ
متحدث لا تكلمني !
العرض العادي
