سلمان و صناعة التاريخ

ربي أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى وطني الكبير وكل من يعيش على ترابه ويتنفس هواءه، قرارات كبيرة بحجم ابن المؤسس في تنوعها وشمولها واستشرافها لمستقبل هذا الوطن. الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي أشبه ما يكون بوالده مؤسس هذا الكيان ومفجر طاقات الأمة ورائد مسيرة التوحيد والتحديث، فابن المؤسس صنو أبيه، رحمه الله، مهتم بسيرة الأولين عاشقاً للمخطوطات مشجعاً للعلماء ومكرماً لهم حاثاً كل مؤرخ على تدوين ملحمة الصحراء وتاريخ الوطن، حتى وصل ما كتبه فليبي عن المملكة 15 كتابا وكذلك فعل المؤرخ الريحاني. ولج خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان عالم الحكم والإدارة وكوّن فكره وبنى خبراته منذ عام 1962م عندما تولى إمارة (الرياض) والتي قال عنها وليم بلجريف الرحالة الإنجليزي إنها أجمل من غوطة دمشق وأحلى من بساتين إيطاليا، ولو عاش الرحالة حتى اليوم لعرف أن ما قاله قد حققه سلمان بن عبدالعزيز فأصبحت الرياض محطة قوافل عواصم الدنيا زمن السلم والحرب وبؤرة إشعاع حضاري ومثالا رائعا وفريدا في حركة التنمية التخطيطية والعمرانية والاقتصادية والاجتماعية ونموذجا لتجربة فريدة رائدة في العصر الحديث، ويقول عنها أبناء هذا الكيان إنها صانعة مجد أمة وحضارة شعب ومسيرة قائد مكانه القلب. لقب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بعاشق الوطن لصدقه وأحاسيسه وصراحته وسجيته التي يطلقها دون تكلف وقربه من العامة قبل الخاصة، قرأ في التاريخ وتبحر في الاجتماعيات، يعرف خصائص الأرض وطبيعة الإنسان من عمق قراءته وحبه للمكان وتاريخه الذي انطلق منها البطل عبدالعزيز ليبني هذه الأرض وإنسانها بعد أن انتقلت العاصمة من الدرعية إلى الرياض في العام 1240هـ لتصبح الرياض رمزا للأمن والمحبة والسلام وميزان استقرار للعالم وصمام أمان له تؤكد أن للإنسان ما سعى وأن سعيه سوف يرى وقد عايشنا المعجزة وكيف تحول الرمل إلى حضارة لتبقى الرياض في ذاكرة الرجال والأحداث منذ عهد المؤسس إلى أبنائه الكرام من بعده الذين حملوا مشاعل التنمية والبناء والخير والحضارة بتجلياتها ووطنوها في مجتمع محافظ يسعى للوصول إلى الكمال وفي نفس الوقت محافظا على خصوصيته التي جمعها من إرثه التاريخي العميق. أتى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ليكمل مسيرة الراحل الملك عبدالله، رحمه الله، مؤكدا، حفظه الله، أنه يعمل وفق توصية الراحل خدمة وطننا وديننا قبل كل شيء، وأن سياسة وتوجهات المملكة الخارجية تمشي على نهج متواصل ومستمر ليخرس الأصوات الناعقة التي تعيش أحلامها المريضة. استطاع بحنكته التاريخية أن ينزل بقراراته الحكيمة على متطلبات الدولة الحديثة على وقائع الحياة المستجدة في إطار الإحاطة الكاملة بالواقع الذي نعيشه كدولة ذات ثقل ديني وسياسي واقتصادي واجتماعي على الخارطة العالمية ولها تأثير لا يقل عن تأثير الدول العظمى في العالم.

حزمة قرارات شعّت في أركان الدولة وراعت في مجملها الأوضاع الداخلية لمجتمعنا والمرحلة التي نمر بها وحاجتنا إلى المزيد من التطور والنمو مع الحفاظ على الخطوط الإصلاحية التي نتطلع إليها كمواطنين. فكان اختيار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان لمجموعة من شباب الأعمال والقانونيين وأصحاب الخبرة والدراية لقيادة شؤون الوطن وإدارة أموره المستقبلية في مرحلة يشكو فيها العالم انخفاض (منسوب الأمل) خصوصاً هبوط سعر البترول وانخفاض معدلات النمو وارتفاع معدلات البطالة، إضافة إلى الإرهاب الأسود الذي يهدد أمن واستقرار شعوب العالم. فكان لابد للقيادة السعودية أن تثبت للعالم أننا لازلنا بخير وأن انخفاض سعر البترول أزمة عابرة لن تؤثر في مسيرتنا، وأنا كنا نحضر لمستقبلنا ونعمل لحاضرنا.. تأتي هذه التعيينات الشبابية متتبعة خطى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام عندما عقد لواء الجيش للشاب الصحابي أسامة بن زيد ليكون أول قائد جيش في الإسلام وأمضاه الخليفة أبو بكر بعد وفاة رسول الله وفيه كبار الصحابة. لم ينس خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان كل قطاعات الدولة من قراراته بحكم خبراته الطويلة معاصراً لمن سبقوه من أبناء المؤسس -رحمه الله- مشاركاً في الكثير من القرارات المهمة والمصيرية. تغيير حقيقي ألغى اثني عشر مجلسا شكلت منذ زمن مضى وطالتها البيروقراطية وترهلت وأصبحت عبئاً فكان لزاما إلغاؤها. الأندية الرياضية المعتمدة كان لها نصيب من قرارات الحكمة وكذلك الأندية الأدبية لم تغب عن فكره حفظه الله، لحق بهم ذوو الاحتياجات الخاصة والطلبة ومنسوبو الدولة ومتقاعدوها من عسكريين ومدنيين مع مهمة حاكمية بشرية استمدت من كتاب الله وسنة نبيه وهي العفو عن سجناء الحق العام، وتسديد ديون المعسرين متلمسة احتياجات المواطنين الحقيقية وماهم في حاجة إليه من ضمان اجتماعي وأراض سكنية وبنية تحتية والعمل على تحقيقها من أجل العيش الكريم والحياة الطيبة. قرارات من نور شقت طريقها إلى وجدان شعبه فأخذت مكانها في قلوبهم ونفوسهم ليناموا قريري الأعين راضي النفس وليصبح أكثر عزماً وصدقاً في رفع صروح حضارته راسماً دروباً سامية من دروب تاريخه. على أولئك المندسين خلف أصابعهم يطلقون الشائعات ويصوبون من مواقعهم على محطات التواصل الاجتماعي سهام حقدهم ليطلقوها على رجال الوطن وإنجازاتهم ويغيرون ويبدلون في الأحداث ويقلبون الحقائق ويصطادون في الماء العكر ويصفون حساباتهم لمصلحة خاصة بهم يحسبونها قربى لهم وهي بإذن الله وبالا عليهم. نسي هؤلاء أننا أمام دولة قوية راسخة في القدم، لن تنسى رجالها ومن عملوا معها منذ التأسيس وحتى اليوم وغداً بإذن الله. عليهم أن يكفوا عن دسهم الرخيص وبث روح التشاؤم والسلبية وأن لا يفسروا قرارات الحكمة بما يناسب عقولهم المريضة، وأن لا يظهروا الشماتة والفرح فهذه ليست من أخلاق المسلم، يغرقون في المتاهات ويظهرون السلبيات. حفظ الله لنا هذا الوطن والقائمين على شؤونه ووفقهم الله لما فيه خير الأمة وصلاحها.

نجيب عصام يماني
عكاظ