ردّاً على سؤال مذيعة الفضائيّة المصريّة عن لماذا مصر لتبدأ بها السعودية أيامها الثقافيّة..؟ قُلت ان الفكرة لم تكن وليدة اليوم بل سبقتها مشاريع ثقافية مختلفة في مسيرة التعريف بنا وقد كان معرض المملكة بين الأمس واليوم في مصر قبل أكثر من خمسة عشر عاماً إحدى محطّات تلك المسيرة قبل أن تتوقف القاطرة بفعل أحداث لم تكن في الحسبان وأيضا بفعل حسابات عاطفية استغلّها أُناس لايعرفون غير مفهوم العقاب ويوم الحساب فصدّروا للآخر صوراً قاتمة شوّهت كل ماهو جميل عنّا،واليوم تعاود القاطرة الانطلاق بفكر أناس عشقوا الوطن وأخلصوا له. وزارة الثقافة والإعلام ممثلة بوكالتها للشؤون الثقافية وجمعيات الثقافة والفنون بكافة فروعها في مناطق المملكة كانت لها الكلمة المسموعة في أرض مصر ولشعب مصر ،حتى المصري البسيط انتشى ب(ياريم وادي ثقيف) وتفاعل مع أهلنا في الشمال وهم يُرددون (هبّت هبوب الشمال وبردها شيني ، ماتدفي النار لو حِنّا شعلناها) وأدرك رغم كل الزيف الإعلامي من كافة القنوات أن شقيقه السعودي ليس كما صوّرته الآله الاعلامية العربية قبل الأجنبية بأنه متطرف ، متجهم ، قاسٍ ، إرهابي متعطّش للدماء هوايته (جزّ) الأعناق الآدمية غير المطابق لما في رؤوس أصحابها لتوجهاته ، بل إنسان مثله مثل غيره يتفاعل مع الكلمة الجميلة ويطرب للنغم العذب ، يرقص ويفرح كأي آدمي آخر.
في دار الأوبرا بحي الزمالك في القاهرة يوم افتتاح الأيام الثقافية السعودية بجمهورية مصر العربية الأربعاء الماضي الموافق 15نوفمبر 2006م كان الحضور يتوقعون فقرات حفل خطابي مُعتاد يتبادل فيه الرسميون المجاملات وتحتشد من أجل ذلك وسائل الاعلام لتنقل ابتسامات أصحاب الملابس المُنشّاة ثم ينفضّ السامر وأهل المشهد الحقيقي خلف الكواليس لايشاهدهم غير عُمال النظافة الذي ينشطون لكنس بقايا الحفل بعد مغادرة أصحاب السعادة المكان. لا لم يحدث هذا في حفل افتتاح الأيام السعودية في مصر بل كانت الكلمة والمشهد والحضور لمزمار أهل مكّة وللنشيد المديني (طلع البدر علينا من ثنيات الوداع) ثم إبداع خاطف للسينما السعودية بعرض الفيلم القصير (القطعة الأخيرة) تلاه لوحة شعبية أخاذة من الطائف المأنوس بالدفوف والمجاند والملابس البيضاء كبياض قلوب أهل الحويّة والردّف و المثناة يعتمرون العُقل المقصّبة وتلك الهزعات من خواصر الرجال الأشداء وهم يرددون كسرات من المجرور أخذت بسحرها ألباب الحضور المدهوشين ثم توالت المشاهد المصوّرة عن التراث الفلكلوري السعودي وبعض المشغولات اليدوية فأتى مشهد الختام لوحات رشيقة من الينبعاوي بملابس الراقصين الزاهية ثم حضرت جازان بايقاعاتها الفلكلورية المميزة ورقص الرجال فأهتزّت قاعة دار الأوبرا بالتصفيق.
في السابق كان يتم حضورنا الثقافي والفنّي على استحياء مُجلل بالتردد والخوف واليوم استطاع شبابنا فرض حضور واثق وقالوا لأهل مصر أهل الثقافة والفكر والفن نحن ايضاً هنا. أكتب لكم ونحن نعيش اليوم السادس من الأيام الثقافية السعودية المقامة في جمهورية مصر العربية ومازال الإبداع السعودي يتوالى من شابات وشباب هذا الوطن فشكراً لكل من فكّر وساند وساهم في هذا الحضور المُدهش.
بقلم / عبدالله ابراهيم الكعيد