جامعاتنا وخدعة التصنيف !!
يوسف الكويليت
في ميزان المقارنات قد نكون الأفضل في الكثير من مقومات الحياة، ولنا آمال عريضة في أن نسد كل الفجوات في مراكز التوظيف والإنتاج، ونغطي عجزنا في العمالة المتطورة، ونصل في ميادين الهندسة والطب والصيدلة إلى الاكتفاء الذاتي، لكن أن نصمت عن بعض النقص، ونبدل الألوان السوداء ببيضاء، فذلك يعتبر خداعاً للنفس وتجاوزاً على الواقع والحقيقة..
فقبل أشهر تم تصنيف جامعاتنا بالأسوأ عالمياً، ووضعتنا تحت درجات الصومال، وهي قد تكون صورة مبالغة تسيء لسمعتنا، لكن أن تضعنا مجلة "إيكونومست" في المركز السابع في تصنيف جامعاتنا ولم يمض عدة شهور بوضعها في السلالم الدنيا، فهو أمر مغاير للحقيقة، خاصة حين نتقدم جامعات اليابان وألمانيا وفرنسا، وإيطاليا، وماليزيا، وأمر يجعلنا نشكك في حقيقة تلك المعلومات والتي بنيت على تخرصات، لأن تلك الدول الموضوعة في أرقام العالم المتقدم ببحوثها وعراقة جامعاتها واكتشافاتها، وحتى أساليب تعليمها وما تحظى به من شهادات عالمية تجعلنا لا نقبل هذا التصنيف أياً كان مصدره ليس لأننا دون كل المستويات، ولكن لأنه مثل النفخ في "بالوننا" يضرنا ويخادعنا..
فالجامعات التي سبقناها قدمت شخصيات عالمية نالت جوائز، ووضعت في لوائح الخالدين والعظماء، ونحن نسعى لأنء نكون بالتدرج صورة تحاكيها، وتصل إلى مستواها، ولكن الإقرار بالواقع يعطينا الحافز للتقدم، أكثر من خداع النفس، ونحن الأدرى بمستوانا عندما بدأنا تصحيح مسار بعض الجامعات وإنشاء أخرى في طور التكوين والعمل..
في الماضي القريب، لا نلوم من قال إن عمارة في شارع الوزير، وأخرى في الخزان هما أكبر وأجمل عمارتين في المنطقة العربية، ولا نستهزئ بمن اعتبر خزان المربع أعظم ما أنشأته الهندسة العالمية، وحتى في الرياضة التي اعتقدنا خطأً لا نزال نمارسه أن الدوري السعودي في كرة القدم أفضل دوري عربي، ليعاكسه الاتحاد الدولي ويضعنا في مركز ما بعد التاسع أو العاشر..
تلك الأشياء يمكن قبولها، لكن أن نقبل أن تكون جامعاتنا فوق دول أوروبية وآسيوية تحتل مراكز الريادة والتأثير في ميادين العلوم والاقتصاد، وتوضع على قوائم الإبداع والاكتشاف في كل شيء فأمرمخجل وغير معقول..
وإذا ما تأملنا واقع الأستاذ، والمعيد وطرق التدريس للطلاب، والمعامل ومراكز البحث العلمي، وساعات العمل التي يقضيها كل منتسب للجامعة، وانعكاس الخريجين على ميادين الصناعة والهندسة، والإدارة العليا، وكيف يصل بعض مبدعينا وعلمائنا إلى العالمية، لا نجد تلك اللوائح تعطينا التميز الذي منحته لنا مجلة "إيكونومست" وهي مشكورة بهذا العطاء السخي، ولكن المبالِغ في كرمه، ونتمنى أن تدرك أننا نعرف ونفرز المستويات التي وصلنا لها، ومن غير المنطقي أن تتجاهل وعينا بأمورنا وتتجاوزه إلى معاكسة الحقيقة، ورحم الله من عرف قدر نفسه..
أما أن نرى أنفسنا دون دول تعيش تحت خط الفقر، فهو أمر خارج الواقع إذ بعض جامعاتنا لا تزال تتراوح بين المستويات العربية والعالم الثالث ونتطلع لأنء نكسر هذا الحاجز لنقطع الخطوات الأولى في المسارات الأفضل، وهو أمر تسعى له الدولة بهيئاتها ورجالها، ومع أن الآمال عريضة فلا يجوز أن تعطينا بعض الجهات شهادات مجانية تخالف ما نعرفه، لأن ذلك تقليل من حقنا وتجاهل تام لوعينا وفهمنا لسلبياتنا وإيجابياتنا..