هل العرب منقسمون بطبيعتهم رغم توحدهم اللغوي والثقافي، والمصير وعوامل التاريخ والجغرافيا كإطارين للوحدة، أم أن هذا الانقسام بلورته قدرة ذاتية ضائعة لا تفهم ماذا تريد، ولا كيف تفكر لتطرح منهجها، ومن ثم سياساتها العليا لتحقق أهدافها الكبرى؟
تعبنا من النصائح والتوجيهات، وما لحقهما من اتهامات وتخوين، عندما تعددت الوجوه والممارسات حتى إن المواطن المعلّق برقبة كل دولة صار خارج اللعبة يراها بعينين زائغتين، وقلة اكتراث، ولعل تاريخ ما بعد الاستعمار، والتحرر، ومن ثم الأحاديث (الموهمة) عن أمة واحدة، وكيان واحد، وما صاحبهما من عواطف جياشة قادت الشارع، تحولت الآن إلى كذبة كبرى، وبطاقة خروج من تلك الأوهام، إلى المجهول..
القمم العربية منذ أول انعقادها في ظروف صعبة وحتى آخر لقاء يمرّ بما هو أصعب تمثل صورة العربي قيادة وشعباً، أي أن فرضية التوافق على شيء ما يقع في أدنى السلالم ظلت أمراً مستحيلاً، أما ما هو أهم وأخطر كالحروب بأنواعها المعتمدة من الخارج، ومن خلال عدة قنوات، أو التي تفرزها طبيعة الخلافات الداخلية لتنشأ عنها حروب أهلية، فهي مزيج من رغبات عربية وخارجية، ولبنان الذي قسم العرب بين مؤيد لحضور القمة القادمة، أو الامتناع عنها يقع بذات الدوائر من القلق والخلافات، وحتى لا نقع بما يقول، أو يصرّح به كل طرف، فإن اللبنانيين هم من رهنوا بلدهم لتتقاذفه تلك التيارات..
فسوريا لها رؤيتها التي قد لا تتطابق مع معظم الدول العربية حول حلحلة الوضع اللبناني، والآخرون ليسوا ملزمين بالاعتراض أن تهمّش دولة ذات سيادة وتحرم من الحضور بسبب عدم الاتفاق على شغل وظيفة رئيسها، وهذا القاسم من التعارض ليس جديداً، عندما جاء التمثيل لبعض الدول في أدنى درجاته، أو الامتناع نهائياً عن الحضور، وبالتالي، فإذا كان نجاح أو إخفاق أي قمة يتعلق بحل القضايا السياسية واحترام استقلال كل دولة، فالذي يحدث الآن أن القمة بدلَ أن تكون تعويضاً سياسياً للقضاء، أو التغلب على تباعد الأنظمة عن بعضها، كرّست حالات الانفصال والتباعد، وقد لا تحسم بوسيط، إذا كان أمين الجامعة العربية بدورته اللولبية بين الفرقاء، عجز عن أن يحمل معه وعداً بالحل، فالمشكلة تعدت حدود ما هو أدنى من المجاملات، إلى ما هو أصعب نحو القطيعة، ومثل هذا التصرف له مبرراته، لكن كان الأمل يحدونا أن تفصل هذه القضايا بمكاشفة علنية تؤدي إلى وضع حدود لجوانب النقص أو المجاملات على حساب القضايا القومية، لأنه من غير المنطقي لفلفة الأمور أمام أمانة أخلاقية ومسؤولية قومية، إذا كنا بالفعل نريد لعب دورنا بتحمل أعبائنا كل حسب واجبه، وأن لا تكون على حساب شعب وسلطة..
أما أن نبقى نراوح بين المبالغة بالنقد إلى حد التجريم وتلفيق الادعاءات، أو التنازل عن حقوق يقتضي الواجب الدفاع عنها، فهو أمر أثبت فشله لما يتجاوز نصف قرن، ويظل الموقف قسمة بين الجميع، وإلا فإن تجميد انعقاد القمم إلى أن تتم تسوية الأمور بشكل واضح، وغير قابل للتلاعب بمشاعر المواطنين، هو الحل الذي يعطي لكل الأطراف مساحة للتفكير والمراجعة، أو فليستمر التجميد إلى آجال بعيدة رأفة بسلامة عقول الناس وعواطفهم..
بقلم يوسف الكويليت
جريدة الرياض