التيسير ( يا أبتي استأجره )

شرعية تيسير الزواج:

• تيسير الزواج في ضوء القرآن الكريم

لقد ورد في كتاب الله U العديد من الآيات التي تحض على التيسير بصفة عامة وهذا ينصرف إلى الزواج ولاسيما في وقت الأزمات، من ذلك قول الله U:
)يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر((البقرة: 185).
)وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعملون((البقرة: 280).
)لا يكلف الله نفساً إلا وسعها((البقرة: 286).
)ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون((المائدة: 6).
)وما جعل عليكم في الدين من حرج((الحج: 78).
)وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليكم((النور: 32).
)ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً((الطلاق: 4).
)لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسراً((الطلاق: 7).
)فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى((الليل: 5-7).
وتشير هذه الآيات إلى وجوب التيسير عامة، وهذا بدوره ينصرف إلى الزواج ويكون ذلك أوجب في أوقات الأزمات الاقتصادية والأخلاقية.
وعندما نبدل نعمة اليسر التي ساقها الله لعباده تعسيراً على الشباب المقدم على الزواج فكأنما خالفنا منهجية القرآن العظيمة وانحرفنا بها عن الطريق المستقيم فتكون المشقة والكد والحرج والحياة الضنك ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى: )فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى، ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى((طه: 123-124).

• القرآن الكريم يقص قصة تيسير زواج سيدنا موسى u:

تتضمن قصة زواج سيدنا موسى من ابنة سيدنا شعيب عليهما السلام كما وردت في القرآن مجموعة من الدروس والعبر في تيسير الزواج وها هي مشاهد القصة كم وردت في كتاب الله تبارك وتعالى: )ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل، ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير، فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير، فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين، قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين، قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرأ فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين، قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان على والله على ما نقول وكيل، فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور ناراً قال لأهله امكثوا إني آنست ناراً لعلي آتيكم منها يخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون((القصص: 22-29).
ومما ورد في تفسير هذه الآيات من الإعجاز القرآني في تيسير الزواج كما ذكرت تفصيلاً في ظلال القرآن ما يلي:
1-نموذج القيم الخلقية السامية لسيدنا موسى u من المروءة والنجدة والشهامة التي لم يطق معها أن تتأخر البنتان وأن يسقى قبلهما الرجال "فسقى لهما" ومن حيث الأمانة وغض البصر، وهو القوي الكفء، عفيف النفس، سامي الحس... وهذه صفات تهفو إليها طبيعة البنات "يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين".
2-نموذج القيم الخلقية للنساء المؤمنات العفيفات ومنها:
-عدم مزاحمة الرجال وما يقتضيه ذلك من التبذل وهذا ورد في قول الله تبارك وتعالى: )يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء(.
-الحياء في مشبة الفتاة الطاهرة العفيفة النظيفة حين تلقي الرجال (تمشي على استحياء) في غير ما تبذل ولا تبرج ولا إغواء.
3-نموذج القيم الأخلاقية في الحديث بين الرجال والنساء، ومراعاة آدابه من غض البصر والكلام المعروف.. فقد سألهما سيدنا موسى u، وأجابته الفتاتان (قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير)، هكذا في أقصر لفظ و أحضره وأدله كما حملت ابنة شعيب u دعوة أبيها شعيب u لموسى u (قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا) فمع الحياء الإبانة والدقة والوضوح وبالقدر المطلوب.
4-نموذج عرض سيدنا شعيب u إحدى بانتيه على سيدنا موسى u من غير تحديد وبدون خجل أو تردد، ورفع التصنع والتكلف وغيره مما يحدث في بيئاتنا المعاصرة (إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين).
5-البساطة والوضوح في بناء البيت المسلم بدون شروط مسبقة قاسية فوق استطاعة الشباب، وتجلي ذلك في قول سيدنا شعيب لسيدنا موسى عليهما السلام: (على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشراً فمن عندكم وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين).
6-التزام سيدنا موسى u بالعقد وتحقق البركة من الله تعالى: (فلما قضى موسى الأجل).
ولقد رزق سيدنا موسى المطارد في الصحراء من ظلم فرعون بالآتي: الإيواء الآمن، والمنزل، والزوجة وعقد العمل، وهذا ما يتمناه شبابنا اليوم... ولكن عليهم الالتزام بشرع الله فمن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب (فقال ربي إني لما أنزلت إلى من خير فقير).

• تيسير الزواج في ضوء السنة النبوية الشريفة

لقد ورد عن رسول الله r العديد من الأحاديث التي تحث على التيسير بصفة عامة، وفي الزواج بصفة خاصة نذكر منها على سبيل المثال ما يلي:
حدثنا يحيى حدثنا وكيع عن شعبة عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جده أن النبي r بعث معاذاً وأبا موسى إلى اليمن قال: يسراً ولا تعسراً وبشراً ولا تنفرا وتطاوعاً ولا تختلفا. (رواه مسلم).
حدثنا عبد السلام بن مطهر قال حدثنا عمر بن على عن معن بن محمد الغفارى عن سعيد بن أبى سعيد المقبرى عن أبي هريره عن النبى r قال: (إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبة فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشئ من الدلجة) (رواه البخارى).
ولقد حض رسول الله r على عدم المغالاة في الصداق بما يضق على الزوج تحمله، ورغب في اليسر و رفع الحرج، فقد قال r: ]إن أعظم الزواج بركة أيسره مئونة[ (أخرجه الإمام أحمد)، وقال r: ]خير الصداق أيسره[ (رواه أبو داوود).
وجاء شاب فقير إلى رسول الله r يريد أن يتزوج ولا يملك شيئاً إلا إزاره، فقال له رسول الله r: ]ألتمس ولو خاتماً من حديد[، فالتمس فلم يجد شيئاً، فقال له النبي r: ]هل معك من القرآن شئ؟، قال: نعم، سورة كذا وسورة كذا، فقال له النبي r: قد زوجتك بما معك من القرآن[ (متفق عليه).
تؤكد هذه الأحاديث النبوية الشريفة على شرعية تيسير الزواج وقرن ذلك بتحقيق البركة ومنها تحقيق السكينة والمودة والمحبة والذرية الصالحة.

• تيسير الزواج من الواجبات الدينية

لقد وضع علماء وفقهاء الإسلام مجموعة من الأسس والأحكام والمبادئ الإسلامية التي توجب التيسير في الزواج باعتباره من مقاصد الشريعة الإسلامية، ومن ذلك على سبيل المثال ما يلي:
-اليقين التام بأن الله U سوف يجعل بعد العسر يسراً إذا اتقى المسلم وأعطى وصدق بالحسنى ومن ذلك تيسير الزواج.
-أن الله U لا يكلف عباده ما لا يطيقون فلا يجب علينا نحن أن نحمل الشباب ما لا يطيق.
-أن الله U قد رفع عنا المشقة والحرج في كل حياتنا ومنها الزواج.
-لقد خلق الله U عباده وقدر لهم الأرزاق والأعمال وكل ميسر لما خلق له، ويجب على كل شاب أن يرضي بما قسمه الله U له.
-إن الدين الإسلامي دين اليسر والوسطية ولقد بعث الله الرسل ميسرين، وهذا يوجب الوسطية في نفقات الزواج.
-يجب على أولياء الأمور ومن في حكمهم التيسير في الزواج وعدم التعسير وتجنب التقاليد والعادات الخاطئة والتي تعوق الزواج.
-الحث على الزواج والتيسير فيه لأنه من موجبات حفظ العرض وغض البصر وإحصان الفرج والذي يؤدي بدوره إلى طهارة المجتمع.
-من موجبات تحقيق البركات في الزواج والسعادة الأسرية التيسير في أمور الزواج وتكاليفه، فليست السعادة في جمع المال ولكن التقي هو السعيد.
-لقد حض رسول الله r على التخفيف والتيسير على الناس وكذلك ما كان لنا في قصة زواج سيدنا موسى u من ابنه سيدنا شعيب u.

الخلاصة
ولكن كيف نحول هذه المفاهيم والأسس والمبادئ لتيسير الزواج إلى واقع عملي حي حتى نكون من الذين آمنوا و عملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر، وحتى يتبين لنا فعلاً أننا قوم عمليون، إن هذا يتطلب وجود نماذج عملية لتكون بمثابة المرشد في التطبيق، وهذا ما سنتناوله في الفصول القادمة.