د. شروق الفواز
من المعادلات الصعبة التي نعرف ناتجها ويصعب علينا شرح خطواتها، بالرغم من فهمنا واستشعارنا لحقيقتها ، هي كيف يستطيع الوافد الغريب أن يستغل ويفهم خيرات البلد التي وفد إليها أكثر مما يمكن أن يحققه أو يحصل عليه ابنها الذي يفترض به أن يستمتع بامتيازاتها باعتباره مواطنا؟!
كثيرا ما نسمع عن مشاريع صغيرة تدر ملايين الريالات يستهلكها المواطن ويديرها ويملكها مستتراً وافد. هذه المشاريع بالرغم من صغرها وبساطة فكرتها إلا أنها استعصت على المواطن أو ابن البلد وصارت لقمة طرية هنية سائغة في فم الوافد.
هل يعقل أن تبخل البلاد بخيراتها على أبنائها ، أم أن أبناءها عجزوا عن رؤية خيراتها العديدة واقتصرت نظرتهم على نطاق محدود لتعمى عن الفرص الأخرى!
أم أن الوافد بطموحه وعزيمته المتقدة ورغبته الملحة في الكسب وجني الثروات والظفر بما يعتبره هو كنزا ويحسبه غيره سرابا ،استطاع أن ينبش عن الفرص الجيدة ويستغل السانحة منها ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
بينما المواطن لاه عنها بمطارداته الضائعة ومنافسته المحمومة على ما يطفو على السطح من زبد تاركا الكنوز الدفينة لمن يفد ليستفيد منها!
في مقال قديم كنت قد تحدثت عن تجربة خريجة سعودية حفيت قدماها وهي تبحث عن وظيفة معلمة وبعد أن ضاقت بها الحيل اتجهت للدروس الخصوصية التي تحتكرها وتنعم بخيراتها الوافدات لتجني منها مئات الألوف وهي التي كانت لا تطمح إلا ببضعة منها في كل شهر . وفي مقال آخر تحدثت عن مواطنات وجدن مكاسب مشجعة في المنافسة على سوق الطبخ المنزلي بعد أن كان قاصرا على الوافدات.
واليوم سأخبركم عن وافد جمعته ظروف عمل مع مواطن نشأت معها زمالة شجعت المواطن على الفضفضة . وفي ساعة صفاء شكا المواطن همه للوافد وأطلعه على ديونه وهمومه المتراكمة ومسلسل أحلامه الضائعة، فربت على كتفه ذلك الوافد مواسيا ومستغربا في ذات الوقت فكيف يشتكي من مثله وبلده زاخرة عامرة، بكل ما يمكن أن يستغل ويستثمر ليولد ربحا ومالا. وقال له لو كنت مواطنا مثلك لأكلت الشهد فنظر إليه المواطن مستجديا وأين هو هذا الشهد؟
فأعطاه الوافد في دقائق معدودة أربع فرص استثمارية وشرح له مكاسبها لكن المواطن ضحك منه واستخف بها وببساطتها. فهز رأسه الوافد وابتسم...
ومضت الأيام والمواطن على حاله يشتكي والوافد يواسي ويقترح، فيستخف به فيبتسم صابرا وينتظر. حتى( استوى) ذلك المواطن بعد أن يئس فعاد إليه زميله الوافد يقنعه وذكر له المشاريع السابقة وزاده واحدة عل المواطن يقتنع !
وبعد تردد ونقاش استطاع الاثنان أن يصلا لاتفاق ، وشارك المواطن الوافد، المواطن باسمه والوافد بثقته وفكرته . ونجحت الفكرة ودرت ربحا أروى ظمأ المواطن وأشبع الوافد .
واستمر الاثنان بشراكتهما العجيبة في استثمار خيرات البلد الوافد يدير والمواطن يستجير. الأول يجني الملايين والثاني يكتفي بأجزاء الملايين !