القدوة العملية ..

إن للقدوة العملية دوراً كبيراً بل هي الأساس في نجاح التربية وفي إيجاد جيلاً توافق أعماله أقواله ..وبدون القدوة العملية الصالحة لا ينتظر خير على الإطلاق ويظل الكلام عن القيم والمبادئ كلاماً عللى الورق لا سبيل إلى تطبيقه وتحويله إلى منهج عملي ...

لذلك أرسل الله رسله الكرام من بني البشر ليثبت للناس بالدليل العملي أن ما أتى به الرسل في استطاعة البشر القيام به بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد طبق المنهج الذي أتى به وحوله من منهج نظري إلى منهج عملي حتى وثق الناس فيما يدعوهم إليه ..لأن الإنسان لا يخدع نفسه ولذلك يقتدي الناس به ويسهل عليهم محاكاته إذا رأوا ما يدعو إليه واقعاً عملياً في حياته ...

ولقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من نفسه القدوة العملية لأصحابه فرأى الصحابة رضي الله عنهم فيما يقول تطبيقاً عملياً في حياته الخاصة والعامة فإذا أمرهم بأمر كان أول المؤتمرين به ..وإذا نهاهم عن أمر كان أول المنتهين عنه ..وإذا كلفهم بأمر تحمل أشده وأثقله ..وإذا دعاهم إلى مكارم الأخلاق شاهدوه وقد تربع على قمة الخلق العظيم كما قال الله تعالى واصفاً خلقه صلى الله عليه وسلم " وإنك لعلى خلق عظيم " ...

فماذا كانت النتيجة ؟ كانت النتيجة أن ربى الرسول جيل الصحابة ..هذا الجيل الذي لم تسمع به الدنيا كلها لا في تاريخها القديم ولا في تاريخها الحديث إلا على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ..وكيف استطاع أن يربيهم - حتى الذين تجاوزوا سن التربية -وكيف حول القرآن الكريم حياتهم من منهج نظري إلى منهج عملي ..بل كيف صنع منهم أئمة غير بهم وجه التاريخ ونشر بهم التوحيد والعدل في ربوع المعمورة ..

فالأساس الأول في التربية وفي غرس القيم والمبادئ الإسلامية إنما هو القدوة العملية الذي تنسجم أعماله مع أقواله ويرى الناس لما يقوله واقعاً عملياً في حياته الخاصة والعامة .. كما أن القيم والمبادئ لا تؤسس بالتعاليم المرسلة أو الأوامر والنواهي المجردة ..فلا يكفي لطبع الناس على مكارم الأخلاق أن يؤمروا بها أو يدعوا إلى الإلتزام بها ..بل إن الأمر يحتاج لقدوة عملية صالحة صالحة صادقة خبيرة بمداخل النفس البشرية ..حريصة على هداية الناس وإرشادهم ..ويحتاج إلى تربية طويلة وتعهد مستمر وملازمة للمربي الذي يؤثر رضا الله على رضا نفسه ..حتى تثمر التربية وتؤتي ثمارها المرجوة من ورائها وهذا لن يتحقق إلا إذا تحرر المربون من الشهوات والأهواء وآثروا ما عند الله تعالى على الدنيا ونعيمها الزائل .. وكان عند الناس قناعة بهم وبما يدعون إليه ..وإلا ففاقد الشيء لا يعطيه ...