الآلة العملاقة تتكون من مئات التروس والقطع الصغيرة التي تتناغم جميعها وتتفق في خطوات دقيقة لتنتج عملا محددا ومعروفا سلفا ، لكن ما يصنف هذا العمل على انه الأرقى والأدق والاكثر جودة هو ان تكون كل قطعة في الآلة صحيحة تؤدي ما عليها وتلقى في نفس الوقت ما تستحقه من صيانة ورعاية لتبقى الآلة قوية وقادرة على الانتاج والعطاء ،وقليلون من اصحاب الالات العملاقة من يدرك حاجة كل قطعة وترس صغير في آلته للرعاية والصيانة ، وكذلك كل مؤسسة يعمل فيها عدد كبير من الموظفين كل يؤدي واجبه وحين تنجح المؤسسة يشار بالبنان لكيانها الكلي ويقال هذه مؤسسة ناجحة ، ولكنها ليست مؤسسة ناجحة بقدر ما هي مجموعة أفراد ناجحين يديرهم مسئول عرف كيف يخرج من كل فرد فيهم صغر مركزه او كبر افضل ما فيه ، بمكافأة على تميز وكلمة شكر على مجهود وابتسامة رضا على تصرف حسن وخطاب شكر على فكرة جيدة ، المهم ان يصل الامتنان والتقدير الى مستحقه فور استحقاقه ، وهذا بالطبع يتطلب متابعة وحسن تقدير ، ولقد صادفت كثيرين في حياتي كنت اعتبرهم شعلة نشاط واغبطهم على الحيوية التي تكاد تسيل من بين أصابعهم ، وتتدفق من عيونهم ، لكنني دهشت حين رأيت بعضهم بعد سنوات وقد انطفأ البريق في عيونهم وخبت الابتسامة عن وجوههم ، وضاع التأنق الذي كان يغلف خطواتهم الواثقة ، واحتلت السخرية والتهكم القطعة الابرز في حديثهم .. لقد قتلهم ارباب العمل غير المنصفين .. هذا ببساطة ما حدث لهم .. كانت افكارهم الابداعية تتسابق في عقولهم لكنهم اجبروا على كبتها لانها لا تتوافق وسياسة مؤسساتهم ، وكانت الطاقة التي داخلهم لا يحدها زمان ولا تعترف بدوام فتم تثبيطها مرارا وتكرارا باسم دورة العمل والمطالبات الدائمة بالتريث واخذ الامور "بالهداوة"..
لذا فقد اسقط في ايديهم وشدوا عنان جيادهم الاصيلة وترجلوا ثم اخلدوا الى الارض كما اراد من حولهم لهم .. اصبح بينهم وبين العطاء ملايين السنوات الضوئية .. يفعلون ما يطلب منهم دون النظر لاهميته او تفاهته ، واذا ما انكر عليهم ناكر هزوا اكتافا ساقطة وقالوا اذا عاندنا انكسرنا ونحن في النهاية تروس لها أفواه وعليها مسئوليات ...
كم مرة شاهدتم مثل هذا ؟