بل هو الربيع العربي بكل المقاييس
أنا أخالف كاتبة الموضوع في كل ماذهبت اليه جملة و تفصيلا خاصة استشهادها بحديث سيد البشرية صلى الله علية و سلم ( أفضل الجهاد كلمة حق في وجه سلطان جائر ) و محاولة إسقاط هذا الحديث على الوضع العربي الراهن . فليس هنا مقام الاستشهاد به . ان هؤلاء الطغاة الذين انتفضت عليهم شعوبهم ليسوا حكاماً لهم شرعية او بيعة في الرقاب . و إنما هم ثلة من العسكر تسلقوا على السلطة بواسطة الانقلابات والدبابات و الدسائس و المؤامرات . وتسلطوا على رقاب الرعية وأذاقوهم كل انواع الذل و الفقر والهوان . وطغوا في الأرض وتجبروا . ومارسوا جميع انواع التعسف والسلب والنهب . ولم يبقى امام الناس من طريق سوى اجتثاثهم ورميهم في مزبلة التاريخ .
اما المغالطة التاريخية فهي هذه التسمية المجحفة التي اطلقتيها على ثورات الشعوب ( الخريف العربي ) وهذا القول غير مقبول وغير منصف . ان هذه الثورات و بكل المقاييس تستحق اسم ( الربيع العربي ) وهي في الحقيقة ارهاصات شعوب كانت على وشك الاحتضار بعد ان اغلقوا في وجهها جميع سبل الحياة ولم يبقى امامها سوى الانتفاض ضد القمع و الاذلال و البشاعة التي مورست عليهم عبر عقود متعاقبة . وليس هناك من عاقل يلومهم على ذلك . إن ثمن الركون للذل اكبر من ثمن الثورة على الظلم . كما لا يحق لأحد ان يسوق هذه الثورات بعصا واحدة . وان يحكم عليها مجتمعة وكأنها نسخ مكررة من بعضها البعض . إن لكل ثورة من هذه الثورات مسبباتها وظروفها و ثمنها المدفوع من الدم الطاهر الزكي . وبالله عليك ايتها الكاتبة الكريمة كيف يمكن التفكير في اصلاح ومناصحة نظام كنظام بشار الاسد الدموي المستبد والذي ارتكب في حق مواطنيه من المجازر ما يندى له جبين البشرية . نرجوا ان نكون منصفين عندما نتكلم عن حراك الشعوب المضطهدة . فما اسهل التنظير والتسلق على الدماء التي سالت لترفع عن كاهلها الظلم والقهر والاستبداد . و كان علينا ان نقف لها احتراماً وتقديراً بدل ان ننتقدها ونبحث عن الأعذار لتسفيهها .ان مشكلة المثقف العربي هو تأطيره لنفسه في محيطه الضيق و النظر للأمور من منظور شخصي دون تقدير لواقع الآخرين والدوافع التي اجبرتهم على القيام بهذه الثورات المتعاقبة و التي حدثت في بعض دول محيطنا العربي والذي يرزح بقيود العسكر واستبدادهم . ان مثل هذه المقالات تقلب الطاولة في وجه الشعوب وتبرء الطغاة وتعطيهم المبرر لما فعلوه .وان كان هناك من يحاول سرقة هذه الثورات وتجييرها لمصلحته فهذا ليس ذنب الشعوب وانما ذنب الرموز الداخلية غير المؤهلة وغير الناضجة فتلك الأنظمة البائدة حاربت العقول وقضت على اي شخصية فاعلة او مؤثرة سياسياً و اجتماعياً.
و ختاماً نحمد الله على ولاة أمرنا في هذه البلاد الطاهرة الذين أكرموا شعبهم ومارسوا سياسة الباب المفتوح لتتلاحم القيادة مع الشعب وينأوا بهذا الوطن الغالي عن الفتن والفوضى والتناحر و الخلاف لتصبح بلادنا مثالاً يحتذى به في العدل والمساواة و تطبيق الشرع الحنيف ولتصبح كرامة الانسان خطاً احمراً لا يمكن المساس او العبث به وليطلعوا بدورهم التاريخي في مواصلة مسيرة الخير والنماء والكرامة .