الزحف السكاني نحو المدن الكبرى

وهذه ظاهرة لا تقتصر علينا بل تمتد وتلقي بسدولها على الدول المتخلفة، والسبب في ذلك البون الشاسع حضارياً وعمرانياً وبنى تحتية بين المدن الكبرى وبين القرية أو حتى المدن الصغيرة أو النائية، وأول ما لاحظتُها في مصر حين كنت أدرس في كلية الزراعة في أوائل الخمسينيات، وكان من ضمن النشاطات أو الفعاليات التي تقدمها الكلية زيارة إحدى القرى، وقد زرنا قرية لا أذكر اسمها الآن، وقد هالني البون الهائل بينها وبين القاهرة، فالقرية تمت إلى العصور الوسطى أو عصر الظلمات فلا توجد كهرباء أو شوارع مسفلتة أو بيوت يصح أن يطلق عليها هذا الاسم، أما المياه فلا تصل إلى البيوت فالكل يشرب ويغتسل من الترعة بما فيها من بلهارسيا، وعندما عدت إلى المملكة والتحقت بالعمل في وزارة الزراعة كلفني وزيرها أنا واثنين من زملائي بزيارة كل مدن وقرى المملكة للاطلاع على أحوالها فلاحظت نفس البون الشاسع بين القرية أو المدن الصغيرة وبين المدينة الكبيرة الذي لاحظته في القاهرة، كان العمران قد بدأ ينطلق في مدينة الرياض وإلى حد ما في جدة والرياض، وكانت هناك شوارع مسفلتة وكهرباء ومياه تصل إلى البيوت، وإن لم يكن هناك صرف صحي ، صحيح أن العمل قد بدأ فيه ولكنه هو وتصريف السيول لم ينته حتى الآن وخاصة في جدة، وبجانب البون الحضاري كان هناك فرق كبير أو فجوة بين القرى والمدن الصغيرة وبين المدن الكبيرة، الأولى ليس فيها عمل، أما المدن الكبيرة وخاصة الرياض، فإن فرص العمل تتوفر فيها، الرياض بحكم وجود الحكومة فيها، وكانت الحكومة هي الموظف الأكبر وجدة لأنها مدينة تجارية، والدمام لوجود شركة أرامكو في الظهران حيث كانت تشغل الكثير من مواطني المنطقة، وإزاء هذا الوضع حدث زحف كبير من سكان القرى والمدن الصغيرة إلى الرياض وجدة والدمام، نجم عنه تضخم سكاني وتوسع جغرافي، فضلاً عن الضغط على المستشفيات والمدارس وكافة المرافق، مع نمو وانتشار المدن العشوائية في أطراف المدن وأوديتها ومجاري سيولها الأمر الذي نجم عنه كوارث بيئية وخاصة جدة التي حدثت فيها كارثة السيول، على أن الحكومة كما تقول صحيفة الرياض قد تنبهت لهذا الوضع، وتعكف جهات عليا الآن على تفعيل عدد من الخطط والاستراتيجيات لتقليص الفجوات التنموية بين المناطق الإدارية في المملكة، فعسى أن يتحقق ذلك

عابد خزندار