ثقافة القيادة ومدارس القيادة

لا أدري إلى متى سوف نبقى متربعين على قائمة أعلى نسبة هدر أرواح بشرية على الطرقات في العالم، ولا أدري متى سوف نتحرك لنتخذ موقفاً حقيقياً يؤدي إلى حل حقيقي وإلى تغيير واقع حقيقي وليس افتراضياً.
مشكلة تعاملنا مع السيارة تحتاج لمجلدات من التحليل النفسي والعقلي والاجتماعي والثقافي حتى نفهم ومن ثم يمكننا أن نعالج ونحل. فمن مساوئ القيادة إلى مساوئ أخلاق الطريق إلى مساوئ أنظمة المرور نفسها بضعفها وتراخيها، دون أن أتطرق إلى قضية التوجس من قيادة غير "ذكر" للسيارة والتي توهم بأن تأنيث القيادة سوف يقود البلد إلى الكارثة، ولا أدري ما هو توصيف الحالة القائمة وهل هناك حالة كارثية أكثر من هذه؟
فوفق تصريح العقيد الدكتور زهير بن عبدالرحمن شرف مدير الأنظمة واللوائح في مرور منطقة المدينة المنورة خلال أسبوع المرور الخليجي (13 مارس 2013) إن معدل الوفيات في حوادث الطرق في السعودية يبلغ 17 شخصاً يوميا، أي شخص كل 40 دقيقة، كما بلغ عدد المصابين أكثر من 68 ألفا سنويًّا، يشغلون 30% من أسرة المستشفيات. وزادت الخسائر المادية على 13 مليار ريال في السنة.
وفي هذه العجالة، التي لا شك أني سوف أقدمها مسلسلة حتى تشفي الغليل، سوف أحاول التركيز على نقطة واحدة في مربع ما تقوم عليه قيادة السيارة: المركبة، القانون/النظام-العقاب، الطريق وتعلم القيادة فضلاً عن العوامل الثقافية والاجتماعية. فتحت نقطة تعلم القيادة تأتي مدارس تعليم القيادة، والتي سبق لي أن تناولتها في سلسلة مقالات منذ عدة أعوام وترجمت إلى العرب نيوز، "قيادة السيارة ومدارس تعليمها، هل من مشكلة؟" (الاقتصادية، Arab News 4/9/2006) وفي جريدة الرياض "متى ينتهي نزيف الطرقات؟" (23/11/2008)، "رخصة بالقتل" (30/8/2008) "قصص مدارس تعليم قيادة السيارات والمزيد من رخص القتل" (14/12/2008)، وما تفاعل معها "لوائح مدارس قيادة السيارات" (1/2/2009).
وقد تفاعلت إدارة المرور مشكورة مع مقالاتي بالتأكيد على أن هناك منهجاً جديداً وأنظمة جديدة قادمة قريباً لكن هذا كان منذ عدة أعوام والدراسة ما زالت تحت الدراسة، وما فُسح من بضعة أسابيع هي تحديث للائحة التنظيمية لمدارس تعليم قيادة السيارات والتي ما زالت لم تقدم جديداً إلى ما أراه من إشكالات حقيقية.
فما أراه هو أن مدارس تعليم قيادة السيارات تتحمل جزءاً كبيراً من عبء ذنب المجتمع الذي يفقد أحبابه يومياً فضلاً عن الألوف المؤلفة من قافلة المعوقين جسدياً أو حتى نفسياً وعقلياً. وما نحن بصدد مراجعته هي هيكلة مدارس تعليم القيادة واللائحة التنظيمية للمدارس التي أصدرتها وزارة الداخلية مؤخراً.
فمن الجانب الهيكلي فإن مدارس تعليم قيادة السيارات تقع كلها تحت نفوذ وقرار الإدارة العامة للمرور التابعة للأمن العام المتصل بوزارة الداخلية. وتقوم إدارة المرور بتنظيم المدارس وآلياتها وفق لائحة تؤرخ بالعام 1399، ولائحة تنفيذية حدثت بتاريخ 3/7/1429، وأخرى لم أجد تاريخها هي المحدثة والتي صدرت من بضعة أسابيع، مما يعني أن مسؤولية إنتاج مدارس القيادة تشترك فيه الإدارة العامة للمرور.
وبناء على فرضيتي التي أثبتها في المقالات السابقة وإلى المزيد الآن بأن آلية تعليم قيادة السيارات هو مصدر جهل الغالبية العظمى من السائقين بأبجدية قيادة السيارات وبالتالي تسجيل الأرقام الفلكية في حوادث السيارات فإن سؤالنا هو ماذا يتعلم الذكور المناط بهم قيادة الأرواح في مدارس تعليم قيادة السيارات؟ وما هي آلية دراستهم؟ وكيف يتم الربط بين ذلك وبين حوادث الطرق؟
ونظراً لأني وصلت إلى آخر الصفحة، فإني سوف أذكر معلومة واحدة مما سوف يتصل بها الحديث.
صفة الرخصة الفورية: إن من يرغب في الحصول على رخصة قيادة خصوصي ويذكر أنه يجيد القيادة فيُختبر كالتالي، 45 دقيقة ميكانيكا، 45 دقيقة إشارات، وساعة ونصف في الميدان ورسم مائة ريال. ومن ينجح يراجع قسم الرخص للحصول على رخصته.

د. هتون أجواد الفاسي
الرياض