لسلامتنا .. كفوا ألسنتهم

طال بنا الحديث عن هؤلاء (الفتانين) الذين يتكسبون جماهيريا وماديا من صناعة الشر بين المذاهب والتيارات في بلادنا. وطالت بنا ــ على ما أعتقد ــ المجاملة لبعض الأسماء التي ما فتئت تدق أسافين الفرقة وتعتبر الوطن حقها وحرزها لوحدها، ملغية الآخرين، ومقللة من شأن وجودهم ووطنيتهم وشرف استحقاقهم لقلادة الوطنية.
وليس خافيا أن بعض أسماء صانعي الفتنة راق لها التصفيق من عوام الناس، واستساغت الشهرة والوجاهة على حساب استقرار صفوف المجتمع وسلامته. وهم سيظلون على نفس هذا المنوال من عزف نشاز الأقوال والأوصاف إن لم يكن هناك موقف رسمي واضح وصارم يعتبر كل لفظ طائفي أو مذهبي لفظا مجرما يعاقب صاحبه بأشد العقاب حتى يكف لسانه وتغريداته ونصوصه المكتظة بالكره والإقصاء.
نحن ــ كمجتمع ــ نعيش مرحلة جديدة صعبة تتطلب الكثير من القرارات والقوانين التي تؤمن اللحمة الوطنية وتقطع الطريق على كل أصحاب النوايا السيئة، بل وتقطع الطريق على كل من لا يعي آثار العنف اللفظي الذي يمارسه ضد البعض. ومن المهم أن يشارك العلماء المعتبرون، من كل المذاهب، على رسم خارطة جديدة، حقيقة وجادة، لترسيخ مبدأ الوسطية في التخاطب والتعامل بين أبناء الوطن الواحد.
ومن المهم ــ كما قلت من قبل ــ ألا تقتصر قرارات مسيرة مجتمعنا على علماء الدين فقط، فهم يحتاجون، نظرا لمستجدات عصرنا ومتغيراته وآفاقه، ليشركوا مع آرائهم آراء علماء النفس والاجتماع والاقتصاد من الجنسين؛ لكي تحيط فتاواهم بكل الظروف والملابسات قبل أن تصدر للناس. أي أننا، وهذا لا عيب فيه ولا غضاضة، لا بد من أن نعتمد من الآن وصاعدا على الدراسات وليس على الاجتهادات.
الدراسات والبحوث هي مدار حركة الشعوب التنموية حول العالم في الوقت الحاضر. وهناك الآن مراكز تفكير يحشد لها كل الموهوبين في كل المجالات والاختصاصات، ويتحرك صاحب القرار السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي بناء على دراساتهم وتوصياتهم المبنية على خبرات واسعة وأسس ومناهج علمية متقنة.
وبمثل هذا الفعل أو هذا الإجراء، أي إشراك كل العلماء والخبراء من كل الاختصاصات في القرار الوطني والاجتماعي، سيكون بمقدورنا بناء مجتمع محصن ضد نوايا التخريب وضد الفتن، ما ظهر منها وما بطن. كما سيتحول هؤلاء الفتانون ــ تبعا لذلك ــ إلى عاطلين؛ لأن الوضع الجديد لا يقبل إلا الساعين للمصلحة الوطنية الشاملة والمثمرة.

محمد العصيمي
عكاظ