في العالم الآخر، غير عالمنا، تراقب الوزارات قطاع المدارس والجامعات الخاصة وتفرض عليها شروطا وتصنيفات مشددة لتكون على أعلى مستوى يشجع الناس على إلحاق أبنائهم وبناتهم بها، ما يعني تفريغ فصول المدارس الحكومية، ما أمكن، من شحناتها الزائدة والمتفجرة. أي أن الإدارة الحكومية للتعليم في ألمانيا مثلا ترعى مصلحة ولي أمر الطالب أو الطالبة في مقابل استثمارات قطاع التعليم الخاص لأن في ذلك تخلصا مشروعا من المزاحمة على المدارس الحكومية.
عندنا، في الغالب، كل من فتح مغسلة أو صالون حلاقة فتح بجوارهما مدرسة خاصة قد لا تتعدى مساحتها الكلية 400 متر وأتى بمعلمين كيفما اتفق وحشر الطلبة والطالبات في الفصول كعلب السردين. ولذلك أصبحنا في غضون عشر سنوات تقريبا نملك آلاف المدارس الخاصة التي يقل مستواها التعليمي عن المدارس الحكومية. بل لعل بعض المدارس الحكومية تتفوق حتى على أغلب المدارس الخاصة التي تكتسب سمعة جيدة ويتواصى الناس على إلحاق أبنائهم بها.
أكثر من ذلك نافس مدرسو بعض المدارس الخاصة الرديئون أبطال تسديد الديون السائبين في نشر ملصقاتهم في كل مكان للتعليم الدكاكيني للغة الإنجليزية والرياضيات، على اعتبار أنهم (خبراء) تعليم استقدموا من أجل مدارس خاصة لها شنة ورنة!!، أي أن هناك فوضى دروس خصوصية في الشوارع إن لم تضبطها المدارس الخاصة التي ينتسب إليها هؤلاء المدرسون فيفترض أن تراقبها وتضبطها أجهزة وزارة التعليم وفروعها في المناطق.. ويفترض، أيضا، أن يتمتع أولياء الأمور بوعي كاف لرفض هذا (البيع) الرخيص للتعليم على الأرصفة وأعمدة الإنارة.
عدا ذلك لا يصح، بأي حال من الأحوال، أن تغص فصول المدارس الخاصة، العادية والعالمية، بأعداد الطلبة المكومين فيها، إذ حين يدفع ولي الأمر ما يزيد على عشرين ألف ريال رسما سنويا، غير ثمن الكتب، لا يريد أن يرى ابنه أو ابنته وقد حشر أو حشرت في مساحة لا تتجاوز بضعة مترات مربعة بين ما يزيد على ثلاثين طالبا أو طالبة. هذا غير مقبول في المدارس الحكومية المجانية فما بالك بالمدارس الخاصة التي ترفع أسعارها كل سنة بما يزيد على 10 في المائة.
ما أعتقده أن قطاع التعليم الأهلي يحتاج إلى (نفضة) تصحيحية تقوم على مجموعة ركائز، أولها وأهمها أن تكون هناك مواصفات ومقاييس صحيحة للمبنى المدرسي وأن يخضع القطاع برمته لعملية تصنيف واضحة ضمن قوائم معيارية تقضي على هذه الفوضى العارمة.
محمد العصيمي
عكاظ