من الواضح أنه لا توجد لدينا طبقية اجتماعية حادة على مستوى الواقع ولكن على ما يبدو أصبحت لدينا طبقية نفسية. الطبقية الاجتماعية تبدو غائبة عندما تختلط عليك مستويات الثراء والفقر في المجتمع السعودي في الغالب وكل ما يتبع ذلك من مبانٍ وسيارات (مثلا لا يمكن أن تعرف مستويات الناس من ملابسهم إذا زرت الأسواق. الشباب يرتدون ثياباً أنيقة والفتيات يرتدين عباءات مطرزة على آخر موضة ومن المستحيل أن يكونوا جميعا على مستوى مادي واحد) . بالإمكان أن تجد بيتاً غير جيد في حي جيد وتجد بيتاً جيداً في حي غير جيد. ولكن في الحقيقة رغم أن الواقع لا يصنفنا بمثل هذا الوضع الحاد فإننا بداخل أنفسنا نقوم بتصنيف أنفسنا والناس من حولنا وهذا يبدو وضعاً طبيعياً إذا لم يقرن بمشاعر من الازدراء والنبذ وللأسف أن هذا مايقوم الناس به هنا تجاه بعضهم . ولكن من داخل كل ذلك هناك تصنيف نفسي جماعي لساكني الأحياء الفقيرة (هناك تصنيفات عرقية وقبلية ومناطقية كثيرة ولكن ما يهمني هو هذا الآن). في الواقع أنك ستسمع من الناس الذين يتحدثون دائما على أن المسلمين مثل أسنان المشط كلمات ازدراء حول الأشخاص الذين جعلهم قدرهم يسكنون في أحياء فقيرة وكأنهم مشبوهون . وفي الواقع هي عملية ازدرائية متسلسلة فالأحياء الفقيرة أيضا ترى الأحياء الأفقر منها هي أحياء أكثر سوءا ولا يقطنها إلا أشخاص سيئون. أسأل أي شخص ينوي أن يشيد منزلا وأعرض عليه البناء في أحد الأحياء الفقيرة وستتفاجئ برده المشحون بالكراهية لذلك الحي. من الطبيعي أن لا يريد شخص أن يبني منزله في حي فقير ولكن من المخزي جدا أن يتحدث وكأنه لا يريد السكن في مكان للكلاب الضآلة. إننا دائما نتحدث عن كوننا أعظم البشر وعن أخلاقنا الحميدة ولكن تحت كل ذلك هناك أخلاق وحشية لا تجد حتى في منظر الأطفال الفقراء وهم يلعبون في الشارع حفاة أي شيء يدعو للتعاطف والأمل الإنساني أن تتحسن ظروفهم. ولكننا لانعرف أبدا كيف نمارس التقمص العاطفي الذي يجعلنا نأخذ مكان الآخرين ونحاول أن نشعر بإحساسهم . إن الناس الفقراء الذين يسكنون في أحياء فقيرة هم أولى من غيرهم أن نتقمص عواطفهم لكي نشعر بآلامهم ولنساعدهم أو على الأقل لانزدريهم.
إن الأطفال مشعثي الرؤوس لم يتلق أهاليهم تعليماً جيداً وبذا حصلوا على وظائف متواضعة وهم يحاولون أن يعيشوا بالأموال التي يتحصلون عليها ومثل هذا الحي أصبح يناسبهم بسبب هذه الظروف. من الواضح أن كل الأشياء حصلت لهم بشكل يفوق إرادتهم وقدرتهم على تغيير ظرفهم الضاغط بقوة ( قد يقول شخص أنهم ساهموا بالفقر بسبب عدم سعيهم وبذل الجهد والكسب وقد يكون محقاً في ذلك ولكن علي أن أذكره أنك عندما تضع عقل شخص في ظروف معينة فلا يمكن أن تلومه إذا لم يكن شخصا خارقا وخالف الأشياء التي تعلمها. ) ومن الواضح أن الأطفال الذي نراهم ملمعي الشعور عاشوا في ظروف جيدة خدمت أهاليهم ليظهروا على هذا القدر من النعومة والرفاه. القصد هنا : إن التقمص العاطفي سيجعلك تتفهم ولا تبدي مثل هذه القسوة في الكلام والتصرف . في المجتمعات المتحضرة يكون الحديث عن الأحياء الفقيرة دائما حديثاً عن كيف يمكن أن نقدم لها المساعدة ونخلصها من الأوضاع السيئة التي ترزح تحتها وهناك عمل مستمر لمد يد العون لها عبر مزيد من التوعية ومساعدتهم في تحسين ظروف حياتهم وكل ذلك يدور في إطار انساني ويتم بين بشر يريدون مساعدة إخوتهم ولكن بالنسبة لنا فإن النبرة الطبقية النفسية واضحة وبغيضة وقليلة هي الأصوات التي تطالب بالمساعدة (بصراحة لم أقرأ في أي صحيفة مقالاً أو رأي قارئ يتحدث عن طلب مساعدة حي آخر إلا إذا كان الشخص يسكن في ذات الحي) ولكن نسمع في مجالسنا وفي كل مرة كلمات التهكم ودعوات الشكر لله لأنه لم يخلقهم في تلك الأمكنة الموبوءة . الأحياء الفقيرة التي تنتشر فيها الجرائم ولكن هذا يجب أن يجعلنا نتمنى ( نتمنى ولا نساعد - يبدو أن المساعدة أمر بعيد جدا) أهلها الذين قهرتهم الظروف للخروج من هذا المأزق المؤلم الذي يجب أن يشعرنا بالمزيد من التعاطف والمشاركة الإنسانية بدل السلوك الهمجي الذي نمارسه (إحدى الطالبات الصغيرات في حي فقير تقول إن إحدى المدرسات تصفهم بالقذرات) . أهالي هذه الأحياء محبطين ويشعرون بالنبذ وإذا لم يستطع شخص أن يتعاطف ليوقف على الأقل ازدراءه.
لا تساعدوا فقط اصمتوا
العرض العادي
