عادات سودانية في الاكل

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



نبيلة محمد زين جلي - السودان


كما أن هذه الوجبات أو «الأكلات» السودانية تتنوع وتختلف من منطقة إلى أخرى، حيث يحرص سكان شمال السودان وهم من قبائل الدناقلة، المحس، السكوت، الشايقية، الجعليين، الحلفاويين على تفضيل أكل «القراصة» بالملوحة أو التقلية، وهي عنوان لكل مطبخ شمالي، كما يكثرون من أكل التمور «البلح» الذي يزرع في مناطقهم على نطاق واسع.
فيما يحرص سكان وسط السودان وبخاصة منطقة الجزيرة الخضراء الواقعة بين النيلين الأبيض والأزرق على أكل العصيدة بالنعيمية والتقلية، وملاح «اللوبة» وهو يعد من البقوليات، وملاح «الويكاب» ويصنع من الحليب ومادة حامضة تستخلص غالبًا من بقايا حريق أعواد الذرة، إلى جانب ملاح «أم تكشو» وهذا يعد عن طريق تجفيف الملوخية وسحنها، وإضافتها إلى البصل المسلوق، وهو يوجد بكثرة لدى الأسر الفقيرة نظرًا لسهولة إعداده وقلة كلفته المالية.
ويحرص سكان غرب السودان «دارفور» وكردفان، على أكل عصيدة الدخن بالحليب أو اللبن مضافًا إليهما السمن البلدي والعسل الخالص الذي يستخرج بوفرة في تلك المناطق، وفي الغالب تجد أن بنية أهل مناطق غرب السودان أقوى نظرًا لاعتمادهم في الغذاء على وجبات طازجة وغنية بالعناصر الأساسية للجسم، وهم أيضًا يفضلون مشروب «القنقليس» و«القضيم» وكلاهما نبتة تنتشر بالأودية ذات الأمطار الغزيرة هناك.
أما سكان المناطق الجنوبية فهم يتغذون على ذرة «البيافرا» كما يعملون على «تخمير» الذرة وشربها صباحًا كأسلوب يومي، وتناول لحوم الأبقار التي تتكاثر في تلك المناطق الغنية بالأنهار ومياه الأمطار والغابات الطبيعية، وهم أيضًا بحكم سكنهم وسط الغابات يعتمدون على ممارسة الصيد وبالتالي يمثل أحد أبرز مكونات الغذاء لديهم، زد على ذلك أن فواكه المانجو والأنناس والباباي تتوفر بكثرة لدرجة أنها تباد في أحيان كثيرة لصعوبة تسويقها بسبب استمرار الحرب لأكثر من عشرين سنة، قبل أن يتم توقيع اتفاق سلام شامل مع حكومة الإنقاذ الوطني قبل أكثر من عامين.
وسكان شرق السودان يتناولون «أكلات» تشابه لحد كبير ما يتناوله سكان وسط السودان، وإن كانوا يكثرون من «السلات» وهو اللحم المشوي على الحجر، ويتناولون القهوة فجرًا ومساء، حتى إنه لا يخلو منزل من القهوة التي تعد وتقدم وفق طقوس معينة.
أما سكان العاصمة الخرطوم فهم مزيج من جميع ولايات السودان وبالتالي تتعد «الأكلات» وتتنوع، رغم دخول المطاعم الحديثة التي تقدم وجبات على مستويات مختلفة.
ولكن هناك وجبة مشتركة للجميع تقدم في مأدبة الزواج وهي «الضلع» وهو أشبه باللحم المندي في الخليج، حيث يقدم بوفرة خلال الأعراس، ووجوده على «مأدبة الغداء أو العشاء» ضرورة لأغنى عنها لأي عريس غني أو فقير، حتى بات «لحم الضلع» عنوانًا بارزًا لمناسبات الزواج.

العصيدة والحلو مر

بداية نتوقف عند «الأكلات» التي تقدم خلال شهر رمضان حيث تتسيد المائدة السودانية «العصيدة بالويكة» وهي تصنع أساسًا من حب الذرة، وتقدم مع «ملاح الويكة» التقلية أو النعيمية، حيث يصنع ملاح الويكة وهو يعرف في المملكة العربية السعودية والخليج بـ«الإيدام»، يصنع من اللحم الناشف بعد أن يتم طحنه ليصبح في شكل بودرة، يوضع على البصل المحمر، ويضاف إليه الماء والصلصة والبهارات، ومن ثم تضاف الويكة وهي عبارة عن «البامية» المجففة وهي أيضًا تطحن في شكل بودرة، ويقدم ساخنًا. ولعل أي مائدة تخلو من العصيدة بالويكة تصنف خارج المألوف، كما يصنع ملاح النعيمية من «اللبن» الذي يوضع على البصل المحمر مع إضافة اللحم الناشف، وقليل من زبدة الفول السوداني، ويختتم بوضع الويكة، وهي أكلة شهية لجميع السودانية، بل يحرص كثير من السودانيين المغادرين إلى الدول الغربية على التزود منها.
أما فيما يتعلق بالمشروبات التي تقدم في شهر رمضان فتتمثل في الابري «الحلو مر» بنوعيه الأبيض والأحمر، والنشأ، ومشروب «القضيم» و«العرديب»، ولا يمكن تخيل أن مائدة رمضان يمكن أن تخلو من هذه المشروبات بأي حال.

«تسمين» العريس

ويحرص أهل السودان على تقديم غذاء خاص «للعريس» حيث تجد أم العروس «تجتهد وتشقى» في سبيل تغذية العريس، حيث تقدم له وجبات من الدجاج المطبوخ بالسمن البلدي، وعصيدة الدخن بالعسل والسمن، واللحم الضاني بكثرة، ويستمر هذا الحال لمدة شهر لايبذل فيها العريس جهدًا ولا يمارس أي عمل، لكي تضمن أم العروس أن صحة العريس في أحسن حال، ولابد أن يزيد وزنه، وإلا اتهمت أم العروس من قبل الجيران وسكان الحي بالشح والبخل، وإهمال زوج ابنتها «المدلل».

مديدة «النفساء» وفطيرة «الختان»

ولعل هذا الواقع ينطبق أيضًا على المرأة التي تضع مولودًا، فهي محط اهتمام جميع أفراد الأسرة، حيث تقدم لها أغذية خاصة أبرزها «المديدة» وهي تصنع من دقيق القمح، والحليب، والكاستر، والحلبة المصفاة، والزيت وإضافة السكر، كما تحرص «النفساء» وهكذا تسمى بالعامية السودانية على ممارسة «الساونا» على الطريقة السودانية وهي أن تتبخر كل مساء «بحطب» الطلح والشاف، وتدلك جسمها بالدلكة وهي تصنع من عجينة الذرة مع إضافات بعض العطور، ويستمر هذا الحال لمدة 40 يومًا، بعدها تخرج «النفساء» إلى منزل زوجها بعد أن تودع منزل أسرتها، وتحمل حينها بجميع أنواع الأغذية لمواصلة برنامج التغذية لفترات أخرى.
وفيما يتعلق بالوجبات التي تقدم عند «ختان» الصبيان فهي تتألف من العصيدة والتقلية* والشعيرية والسكسكانية، والفطائر، حيث تتم دعوة أهل الحي والجيران لحضور فطور «الطهور»، وتشابه هذه الوجبة تلك التي تقدم في الأعياد صباحًا، وهي تقدم دائمًا في وجبة الفطور.

وللحزن وجبات

وفي سرادق العزاء يحرص بعض الناس الذين يتقاطرون من شتى أنحاء المنطقة والمناطق التي تجاورها وهم محملون بمختلف صنوف الأطعمة التي يحاولون الاجتهاد في تمييزها عن غيرها من الوجبات كل قدر استطاعته وذلك لإطعام الأعداد الهائلة التي تأتي لأداء واجب العزاء والّذين يقبلون من كل حدب وصوب* فيما يحاول البعض الآخر تبسيط ما يقدمونه من أطعمة مثل الكسرة الرهيفة بملاح «أم رقيقة»، بعيدًا عن أوجه التكلف، وهو واقع يتوافق تمام مع حال الحزن التي تخيم على ذوي المتوفى، والكسرة الرهيفة تصنع من الذرة غير أنها تختلف عن العصيدة كونها تصنع في شكل رقائق. أما ملاح أم رقيقة فهو عبارة عن قليل من اللحم الجاف يوضع على البصل المسلوق قبل أن تضاف الويكة، ويتم إعداده في زمن وجيز، بسبب كثرة المعزيين* علمًا بأن العزاء في سابق الأيام يستغرق زمنًا طويلًا على قول المثل السائر بينهم (الموت لحولو بجيب زولو)* بمعنى أن فترة العزاء في الميت لا تنتهي حتى لو امتد ذلك لعام كامل والحول يعني في العامية السودانية السنة كاملة* بينما الآن أصبح مدة العزاء ثلاثة أيام فقط واليوم الثالث عبارة عن يوم (التفرقة) وهو يسمح فيه بانتشار الناس إلى أعمالهم ويرفع بذلك (الفراش) أي بساط العزاء* كناية عن نهاية العزاء.

مطاعم عصرية

ومع تعدد أنواع الأكلات الشعبية في مختلف أنحاء السودان، توجد أكلات ذات خمسة نجوم، فالمطبخ السوداني يضم إلى جانب الأكلات الشعبية أخرى عصرية وبخاصة في المدن، حيث تقدم وجبات، الباسطرمة، والشيش طاووق، والكباب بمختلف أنواعه، ومختلف «المحاشي»، بالإضافة إلى وجبات طبخ الخضراوات المختلفة (بطاطس – بامية – باذنجان – بطاطا ...إلخ)*كما أن سلسلة من المطاعم العالمية عرفت طريقها إلى العاصمة الخرطوم، ومدن أخرى في شتى أنحاء السودان الواسعة، وهي تحظى بإقبال جماهيري كبير ما دفع إلى تعزيز الخدمات بافتتاح فروع إضافية.


المعرفة
__________________



(





*******************
لا تنس الدعاء بالنصر لإخوانك المجاهدين