يتجه العالم بقوة نحو مزيد من التوحد والاندماج والترابط بين دوله وشعوبه..
في وقت تتجه فيه دول المنطقة نحو مزيد من الفرقة والتشتت والتناحر والتفتت..
والمحير حقاً هو:
أن الدول الكبرى التي تسعى إلى تحقيق المزيد من التكامل بين دولها وشعوبها.. هي نفس الدول التي تعمل على (تقطيع) أوصال دول المنطقة.. وبذرِ بذور الفرقة بينها.. بإحياء النزعات الطائفية أو المذهبية.. أو العصبيات القبلية.. وإذكاء روح التناحر بينها.. وتشجيع مبدأ الانفصال عن بعضها البعض.. وتحويلها إلى كيانات.. ودويلات صغيرة.. وهزيلة.. وغير قادرة على الحياة..حتى تمارس عليها وصايتها.. وتجعل منها بؤرة.. أو قاعدة للعمل على تفكيك الأطراف الأخرى.. وتمزيقها.. و خدمة مصالحها الإستراتيجية الإقليمية من فوق أراضيها..أو استغلال ثرواتها وطاقاتها.. أو استثمار مواقعها الإستراتيجية المهمة أيضاً..
هذا النمط من السياسات.. يبدو الآن وكأنه انتصار لمطالب الأقليات.. ودعم للحريات.. وتبنِ للحقوق.. ومنها حق الحكم الذاتي للأقاليم.. فيما تهدف -في حقيقة الأمر- إلى إضعاف دول المنطقة.. وشغلها بنفسها وإغراقها في مشاكل بينية..بعيداً عن تنمية قدراتها وتطوير مجتمعاتها.. وتقوية كياناتها.. وكذلك بعيداً عن الاستغناء عن الأطراف الخارجية.. والعمل من الداخل على بناء الذات القوية والمستقلة.
ولست بحاجه إلى أن أحدد أمثلة بعينها.. لأنها من الوضوح بدرجة كبيرة.. سواء في منطقتنا العربية أو في محيطنا الإقليمي وكذلك في مناطق أخرى في آسيا أو في منطقة البلقان..أو في أفريقيا.. وسواها..
ولست أدري كيف يمكن لنا كدول وشعوب أن نقف أمام تلك السياسات المدمرة..
لكن الذي أدريه هو أن هناك وحتى من داخل أمتنا العربية.. من يتبنى هذه السياسات وهناك من يستثمرها لتحقيق تطلعاته وأمانيه.. ولا يتردد في أن يضع يده في يد القوى الخارجية.. لخدمة أهداف مشتركة ولذلك فإن المستقبل لا يبدو لي مريحاً أو مطمئناً..
إن التوجه نحو (تغذية) روح التمرد.. يبدو قوياً.. وعلينا أن نتصور حال المنطقة بعد سنوات قليلة.. إذا استمرت الأوضاع الراهنة على ما هي عليه الآن..
ولم يتمكن عقلاء هذه الأمة من إيقاف حاله التدهور في علاقاتها الثنائية.. وتعززت روح الانشطار.. حتى داخل نطاق الدولة الواحدة..
ورغم كل ذلك..فإنني أتمنى ألا يكون تشاؤمي هذا في مكانه.. وأن تخطئ تقديراتي كثيراً..
بقلم الدكتور هاشم عبده هاشم