يعيش الصدر إعدام صدام حسين.. صورة الانحطاط السياسي
لا يمكن لي أن أصف لكم الصدمة التي شعرت بها حين علمت بإعدام صدام حسين، ولم أصدق ما حدث حتى شاهدت صور إعدامه على قنوات الأخبار. لقد استبد بي الغضب، والذهول حيال هذه الحادثة البشعة. وامتعاضي ليس مصدره دفاعي عن صدام حسين، أو حكمه الاستبدادي، وليس نابعاً من شعور قومي، أو طائفي متعصب، بل العكس فأنا من الذين عارضوا حكمه، وطالبوا بمحاكمته بشكل عادل على جرائمه. ولكن مصدر الانزعاج لدي نابع من ثلاثة أمور:
- أولاً، التوقيت: وهي مسألة عكست صورة من صور الانحطاط السياسي في العراق، فهل يقبل أن يتم تنفيذ الإعدام برئيس (سني) في يوم عيد الأضحى، وفي الأشهر الحرم، لأجل إرضاء الطائفة الحاكمة. إن أشد صور الانحطاط السياسي أن تتم التضحية بروح إنسان -مهما كبرت جرائمه- في مناسبة دينية تتم التضحية فيها بالحيوانات. هذه صورة من صور التشفي البغيض التي لا تمت للعدالة، ولا للإنسانية، وإنما بجماعة متعصبة طائفياً تدشن مرحلة استبداد جديدة بنحر المستبد السابق.
- ثانياً، هل شاهدتم انحطاطاً يوازي تصوير عملية إعدام رجل مسن، ويتم شتمه وتعييره قبيل لحظات من قتله. هل من المعقول أن يصيح شهود تنفيذ الحكم باسم زعيم طائفي مريض مثل "مقتدى الصدر".. هل يكون الصدر الذي تلطخت يداه بدماء الشيعة قبل أن يرسل عصابات الموت لنحر السنة.. هل يكون أشرف من صدام حسين؟ .. صاح شهود الموت "يعيش الصدر" بينما يلفظ صدام حسين أنفاسه الأخيرة. مقتدى الصدر هو ذات المتطرف الذي قتلت عصابته عبدالمجيد الخوئي، وسحل وفيه رمق من الحياة حتى عتبة مجلس الصدر، فنظر الأخير إليه، وقال لأتباعه تخلصوا من هذا الخائن. إذا كانت الحكومة العراقية تريد إقامة العدالة فلماذا يحكم مقتدى الصدر العراق الآن، وقد قتل أتباعه آلاف الأبرياء من مختلف الطوائف؟.
- ثالثاً، صدام حوكم على محاولة اغتياله في الدجيل، وهي قضية كانت في بداية عهده، ووقت الحرب مع إيران، والاعتداء عليه كان حقيقياً. وأنا هنا أتساءل لماذا يحاكم صدام على الدجيل بينما هناك عشرات القضايا والمظلومين من بقية الطوائف العراقية لم تذكر قضاياهم. ثم هل من المعقول أن يحاكم على الدجيل بينما لم تنته قضيته الكبرى "حلبجة"؟.. رئيس حكم لأكثر من ثلاثة عقود، وتكون محاكماته هزيلة، وصاخبة بهذا الشكل المخزي. لقد فشلت المليشيات الحاكمة في العراق أن تثبت أدنى درجات المصداقية، وعجزت الإدارة الأمريكية أن تقدم نموذجاً لائقاً لمحاكمة عادلة وشرعية.
أعلم أن كل هذا لا يهم الآن، وأن إعدام صدام حسين لن يغير من الواقع السياسي شيئاً، ولكن اللوم والفشل هنا لا يوجهان للحكومة العراقية الفاشلة، بل للإدارة الأمريكية. ما حدث آذى مشاعر الملايين حول العالم، وعكس تشفياً طائفياً مقيتاً. وأعتقد أن الإدارة الأمريكية أخطأت في كل شيء، وأهم أخطائها هي أنها حولت صدام حسين إلى شهيد وضحية. وسبب ذلك هو أنها تتعاون اليوم مع قادة مليشيات طائفيين، لا يقلون عن صدام حسين دموية.
هل تعي الإدارة الأمريكية ما حدث
في عيد الأضحى؟
لقد آذى مشهد إعدام صدام حسين أكثر من 250مليون سني في العالم العربي، وهو أمر يذكر بتلك الحادثة التاريخية القديمة التي قتل فيها أمير ظالم متعصب مفكراً وفيلسوفاً بحجم الجعد بن درهم. عقلية الإنسان العربي لم تتغير، فمازال يستغل المناسبات الدينية ليشفي غليل أحقاده. ألا يدرك الذين قرروا إعدام صدام حسين في هذا اليوم، أن وظيفة الإنسان ليست الانتقام ولا العقاب فهذا أمر سماوي، إنما وظيفتهم الحقيقية إقامة العدل. لقد انزلق هؤلاء إلى مستوى نظام البعث السابق. فحزب الدعوة، والمجلس الأعلى للثورة كلاهما حزب متطرف يحكم العراق بأجندة طائفية مقيتة.
إن المتابع للتدخل الأمريكي في العراق ليدرك أن أداء إدارة الرئيس بوش يزداد سوءاً بعد سوء. لقد كان أداء سلطة التحالف أفضل نسبياً قبل تسليم السلطة للحكومة العراقية، وأداء الحكومة الانتقالية في عهد إياد علاوي يتم الترحم عليه الآن بعد أن شهدنا تدهوراً لا نهائياً للأحداث. في كل عام يزداد سقوط القتلى بمعدل الضعف، ويتراجع مستوى أداء الجيش الأمريكي كل أربعة أشهر حسب تقييم آخر التقارير.
وحتى يفهم الأمريكيون ما أقصد، فليتابعوا الطريقة التي تم التعامل بها مع مجرمي حرب مؤخراً مثل سلوبودان ميلوسوفيتش، أو أوغستو بيونشيه كلاهما عومل باحترام بعد وفاته، فلماذا سمحت الإدارة الأمريكية بهذا العبث والتشفي الطائفي. ما الذي تستفيده الولايات المتحدة من هذا العرض المشين؟.. صدقوني لا شيء، بل إنه يزيد صورة أمريكا سوءاً على سوء، وتخسر بهذا التردي أصدقاءها، والمتفهمين لدورها الدولي، وما حدث يعتبر فشلاً بكل مقاييس العلاقات العامة وتحسين الصورة.
حين قرر الرئيس بوش غزو العراق اتخذ بذلك مجازفة تاريخية، وافقه فيها البعض، وعارضه آخرون. ولكن الخطأ كما نقل عن الرئيس الراحل جيرالد فورد هو أنهم لم يقوموا بها بالشكل الصحيح منذ بدايتها، وحتى اللحظة الراهنة. لقد تقبل الرئيس بوش تقرير لجنة بيكر لدراسة العراق، واستضاف سياسيين مخضرمين، وأسديت له مئات النصائح، فلماذا لم يعمل بأي منها؟.. لقد رفض الحوار مع إيران وسوريا. حسناً، هذا أمر جيد ولكن لماذا يستمر في التعامل مع ميلشيات شيعية هي بالأصل موالية لطهران، ولماذا يسمح لهم بالاحتفاظ بمخربيهم وجزاريهم، والمشاركة في الحكم كذلك.
إن إعدام صدام حسين بهذه الطريقة الهمجية يجب أن يكون نقطة انعطاف جديدة، وإذا كانت الإدارة الأمريكية صادقة في نواياها فعليها حل المليشيات الآن وبدون أي تأخير. لقد أسقط الجيش الأمريكي نظام صدام حسين في عدة أسابيع، فلماذا يعجز عن السيطرة على جيش المهدي رغم ثلاث محاولات. على الأمريكيين أن يصححوا الأمر حتى ولو كان ذلك يعني غزو البلد من جديد، أو فليصرحوا بفشلهم وليخرجوا من العراق.
الرئيس بوش يعد بتقديم إستراتيجيته الجديدة الخاصة بالعراق، والتي أشارت بعض التقارير إلى أنها تركز على إرسال 17إلى 25ألف جندي إضافي. هذه الإستراتيجية لا تنفع الآن، لأن عدد الجنود الأمريكيين على الأرض لا يكفي للقيام بالمهمة. جنود التحالف في تناقص مطرد. لقد حضرت كلمة وزير الدفاع البريطاني في نوفمبر الماضي، حيث وعد فيها بتخفيض قواته في العراق إلى عدة آلاف، وهو أقر بفساد قطاعات كبيرة في الجيش والشرطة العراقيين، ولم يطرح أي حل لهذا التردي الخطير.
إذا كان الرئيس بوش يريد استقراراً في العراق فعليه أن يتخلى عن فكرة تسليم الأمن للجيش والشرطة العراقيين. فالواجب الآن حل المليشيات الشيعية، أو تصفيتها بالقوة إذا لزم الأمر. إن العراق يحتاج إلى قرابة 450ألف جندي لتتم السيطرة الفعلية عليه -كما في الدراسة الشهيرة لمؤسسة راند-، وكل عدد أقل من ذلك يعني تنازلات قاسية، كاستبدال زبانية صدام بزبانية الحكيم و الصدر. وهو أمر غير مقبول بكل المقاييس. إن هزيمة تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين لن تتم حتى يهزم جيش المهدي، ويحل فيلق بدر.. تلك المعادلة الوحيدة للأزمة. وإلا فإن الأعياد القادمة حبلى بأفعال همجية، وصراع طائفي أيقظته أمريكا ولم تحسن إسكاته.
بقلم / عادل بن زيد الطريفي