كي لاتفتح شهيتك (على الآخر) تجد من يقول لك: «القناعة كنز لايفنى».
وهو كنز ليس له شيكات أو رصيد داخل البنوك،ولايصرف عند (كاشير السوبر ماركت).
والقناعة كنز لايفنى لأنها لاتصرف ولا أحد يقبل بأخذها منك،فيبقى كنزك على قلبك.
وهناك من يرغب أن ينفق هذا الرصيد كاملا (يصفره تماما) ويستعيض عنه بأي قرش يجلب له احتياجاته الضرورية قبل أن (يفطس من الجوع)، وقد تذكرت وصية شحاذ معوز حينما نظر إلى فخذ لحمة معلقة في ملحمة جزار،ووقف لينظر إلى احمرار اللحمة وطراوتها وهو يتأملها بتمعن، ثم يخاطبها وهو يحمل شعورين متناقضين، ويوصيها مشفقا:
- حتروحي النار.
وحتروحي النار هو حوار صامت بين سلعة متوفرة لمن يقدر على شرائها وبين رغبة ملحة في اقتنائها وعدم المقدرة على شرائها،فهذا المحتاج لم يجد خيارا أمام عجزه سوى التهديد وتذكير اللحمة بالمآل الذي ينتظرها..وهو العجز بعينه حين لا تقدر على امتلاك الشيء المعروض،والحاجة مع قصر اليد تجعلك تبدي تهديدا مبطنا أو عدم اكتراث أو زهدا زائفا،وحيال هذا الزهد الزائف قيل : لم يجد عيبا في التفاح وأراد أن يعيبه فقال له يا أحمر الخدين،وهو وصف يقال عادة كمديح وليس هجاء،ولكن هذه الهجائية جاءت من عوز وعدم مقدرة على امتلاك أحمر الخدين هذا..
ويوميا حالنا حال صاحب ضيق اليد،نتطلع على الفترينات والاعلانات وماتعرضها علينا من متع الدنيا،فلا نجد من رد مناسب سوى اسقاط تلك الملذات المتنوعة ونصفها بالخدود الحمراء،أو نقف نتطلع على أي لحمة طرية وطازجة ونمارس تهديدنا لها: حتروحي النار..
وكم من مقتدر يتطلع إلينا ويضحك بسخرية لاذعة:
- حامض على بوزك.
وبين حامض على بوزك وحتروحي النار مسافة طويلة تنهيها الحياة بقبر متساو تماماً.
بقلم / عبده خال