على العاقلين فينا أن يمسكوا رؤوسهم جيدا،، ويدعوا الأفكار التي تنهبهم وتغلي في مرجل دماغهم أن تتضائل ليعرفوا كيف يمكن أن يرتفعوا فوق الصغائر، وأن هناك شيئاً أهم ويفوق ما يحدث وأهوالاً أشد وأقوى إن هم بعثوا للنار نافخا..
رجال السياسة لدينا عليهم أن يكونوا أكثر حكمة وروية .. وأن تكون نيران التجارب السابقة قد أنضجت أفكارهم، وجعلت من الحكمة ضالتهم ومصيرهم ..
نار الطائفية التي لا تبقي ولاتذر تشتعل هنا وهناك، وتتوزع في أصقاع كبيرة ثم ستلتحم مع بعضها، إن لم يجد الحكماء لها مصرفا قويا يسكنها ويهديها تمهيدا لإطفائها ..
إذا كان السفهاء يريدون جر البلدان والعباد لفتنة كبرى، والفتنة النائمة أوقظت منذ الحرب العراقية الإيرانية، ولم يلعن أحد موقظها، ولكن تبارى المتبارون في النفخ عليها ووجدنا في كل يوم فتوى من هنا وفتاوى من هناك وناراً توقد وولائم للدم المسفوك ..وكتباً تكاد تغطي عين الشمس بما يشعل اللهب ..ولكن يبقى البنيان الداخلي للدول العربية صامدا على الأقل في السطح.
التجارب علمتنا الكثير عن هذه الفتن منذ ضحى الإسلام مروراً بالكثير الكثير مما بعده .. وما أن يصمت صوت نتيجة قوة الدولةالإسلامية وسيطرتها، حتى تتعالى أصوات عند أي ضعف، فتكون كما الجراثيم والفيروسات التي تهاجم الجسم عند أي انخفاض في المناعة . طبعا هناك أسباب ومفرزات وهناك عوامل عديدة داخلية وخارجية .. كما أن هناك المنافقين والطبالين للكسب الحرام من دماء اناس .. ولكن سرعان ما تقوى الدولة وتنشر الأمن والأمان للجميع وتتضاءل أسباب الفتن..
في عصرنا الحديث لم تعد للدول العربية هيبة، ولم يعد الأمن الداخلي بيد اغلبها، وعناصر القوة فيها ضاعت مع ضياع هيبة الجامعة العربية وبقاء القرارات فقط لرفع العتب ولملء ورق وصرف مبالغ بلا فائدة، فالمعاهدات الأمنية ليست لأمن الأوطان ولا لحماية الهوية والأخوة الداخلية وتعزيز القوة العلمية والعملية للأمة (النتائج جاءت مذهلة في الخيبة في تصنيف جامعات العالم العربي ككل) كما أن التبادل الاقتصادي تدهور إلى أبعد الحدود .. وعندما يغضب السلطان القابع في البيت الأبيض تغضب البلدان التي تخشاه معه، وتحارب الشعب بدلا من محاربتها للحكومة إذا كان بينهما سوء تفاهم، وتحرم التواصل العلمي والاقتصادي والثقافي، تجويع العراق مثلا أثناء وقت الحصار موت الأطفال وتدهور التعليم نتيجة للحصار ومنع حتى أقلام الرصاص.. العراق تلك التي زفت للحرب بالبوابة الشرقية.. وها قد فتحت البوابة على مصراعيها .. والنار تلتهم هنا وهناك..
نعم قتل أو صلب أو اغتيل صدام، ذاك الذي لم يبق نعت لم ينعت به، وآلمنا ما حدث، وحرقتنا اصوات الطائفية القذرة .. نعم في غمرة الانفعال كاد الزمام أن يفلت، ولكن علينا أن نتعوذ بالله مما يحاك لنا، ومما يوقعنا في بؤرة صراع لن نستطيع له دفعا.. ونحكم العقل ولا نحكم عقول الرعاع فينا ونؤاخذهم فيما قالوا وفعلوا ..
قد يكون الرجوع للتاريخ وأخذ الحكمة منه صعباً أو غير متاح أو .. أو .. ولكن الحاضر القريب خير معلم .. ولنراجع حساباتنا، ولنراجع أنفسنا .. ونرى أي خسارة مرت بنا، وكيف ساءت عمليات التنمية والتوحد وفرص العمل للشباب .. وكيف امتلأت ديارنا بوجوه غريبة وملامح لا نعرفها، وكيف الشباب العربي تاه في دول أوربا للبحث عن فرصة عمل، وكيف نفق بعضهم كما تنفق الماشية في بحار ظلم.. كل ذاك مرتبط بما يحدث وحدث وصار كله على حساب الإيمان القوي بأن ما يوحدنا أكثر بكثير مما يفرقنا.. وإن انعزل كل قسم في ركن خاص به، وقال أنا ومن بعدي الطوفان، سيغرقنا كلنا في طوفان، لن نستطيع منه عاصما..
إنها النار تتوقد، يا حكام العرب استمعوا للحكماء، لا ندخل شبكة الصيد جماعا ولا تباعا .. لنطفئ النار وأول بدايات إطفاء النار هو التفاهم مع الصديقة اللدودة أمريكا، بمنطق من يملك قوة الطريق والموقع، وقوة الطاقة .. بأن تكتفي بما صار وتسحب جنودها وأساطيلها، وعلينا أن نسرع بلملة الجراح، وإطفاء نار الفتنة التي تشتعل وتضطرم أكثر مما هي مشتعلة .. مات الكثير من المسلمين، منذ الدفاع عن البوابة الشرقية المكسورة حالياً وحرب الخليج الثانية ونفضت جيوب كثيرة ومديونيات لا زالت تدفع .. وطامة كبرى سرقة الأرض والهوية .. فكفاية..
أوقفوا الفتنة الخارجة من العراق .. قبل أن تصير الديار كلها عراقا..
كلمة ليست أخيرة ولكن لابد منها لننظر للدول المجاورة لكوريا الشمالية جميعها لا تريد حربا ولا فتنا تعصف بديارها .. ونحن كل يوم تخبرنا الفضائيات بحاملات القنابل والدمار تمر عبر بحارنا لتحرق ديارنا .. ولا يكتفى بذلك تقوم الصراعات والرقص عند الجثث ليتعالى للحقد دخان نيران.. عفوا .. يا حكامنا العرب: أطفئوا النار عاجلا قبل أن نكون جميعاً هشيماً..
بقلم الاستاذة / شريفة الشملان
المواضيع المتشابهه
انها النار , حاصروها
العرض العادي
