في غضون السنتين القادمتين سوف يتغير وجه المملكة الذي عرفناه واعتدنا عليه. بعد أن وضع الملك عبدالله الأسس التحديثية والإصلاحية التي أطلقها منذ توليه مقاليد الحكم أتت يوم أمس التعيينات والتعديلات الوزارية بالطاقم الذي سوف يضع تلك الإصلاحات موضع التنفيذ. لم يكن التغيير شاملا ولكنه جذريا. طال هذا التغيير أهم المؤسسات التي يحتاجها المواطن لتجديد مسيرته التنموية. ستنتقل المملكة من التقليدية إلى الحداثة. من الركود إلى الحركة. ومن الحيرة إلى التقدم. لم ينتظر المواطن طويلا لبدء مشروع تطوير القضاء أو تعديل مسار التعليم أو إجراء الإصلاح الضروري الذي طالما احتاجت إليه وزارة الثقافة والإعلام أو النظر الجدي في وضع هيئة الأمر بالمعروف أو توسيع دائرة الرؤيا الإسلامية للمملكة ولا يقل عن هذا كله التغير النوعي لوضع المرأة والاعتراف بكينونتها والثقة فيها. إن انفتاح (مؤسسة) هيئة كبار العلماء على كافة المذاهب السنية في البلاد سوف ينهي الاختناق المذهبي ويفتح أفقا تنويريا يسمح للبلاد بالتحرك دون المساس بالثوابت الإسلامية العليا. المملكة بوصفها في قلب العالم الإسلامي وفي طليعته تحتاج إلى مثل هذا الانفتاح حتى تكون نظرتها للأمة الإسلامية متعادلة ومتساوية وسوف يسهم هذا الانفتاح في تغيير النظرة الداخلية للذات والآخر. الأسس التحديثية التي يقوم بها الملك عبدالله ما كانت لتتم لو أن الرؤيا الدينية لمؤسسات الفتوى السعودية بقيت على حالها. فالتغير الاستراتيجي في منظور القضاء يحتاج إلى مثل هذا التغيير وتعيين امرأة في منصب رفيع يحتاج إلى هذا التغيير وتطوير الأداء الإعلامي والثقافي يحتاج إلى هذا التغيير ودفع عجلة الاقتصاد يحتاج إليه أيضا.
طالما رددنا أن الإسلام دين صالح لكل زمان ومكان دون أن نسعى إلى العمل على هذا الأساس. القرارات الملكية الكبيرة هذه ستنقلنا إلى ذلك.
لا شك سيواجه الأمير فيصل بن عبدالله وزير التربية والتعليم في وزارته تقاليد وعادات ورؤى تنظر وتنتمي بقوة للماضي لكنه لن يخفق في إزالة هذه العقبات وإعادة التعليم إلى طبيعته التنويرية إذا التزم بصرامة بنظرة مليكه للإصلاح. نفس الشيء في وزارة العدل وفي المؤسسات القضائية. هناك مشاكل جذرية تحتاج إلى عمل حقيقي. لكن من حسن حظ القيادات الجديدة في هذا المجال الخطير أن الملك عبدالله سبق أن وضع الإستراتيجية الضرورية وأمن لها كل التسهيلات المالية والإدارية لتتحرك. لن يقبل الملك عبدالله في هذا القطاع غير النجاح الكامل.
لم ينتظر المواطن طويلا لوضع حد لإشكالية الإعلام والثقافة في المملكة. تحتاج المملكة دائما إلى قيادات إعلامية وطنية مخلصة تضع مصلحة البلاد وموقعها القيادي أولوية لها لا تتنازل عنها. لا شك أن التغييرات التي لمست هذه الوزارة ستعمل على هذا الأساس. لا أحتاج أن أذكر معالي الدكتور عبدالعزيز خوجه أن المملكة تخوض معركة إقليمية شرسة حيث أسهم هو شخصيا بدور بارز فيها قبل أن ينتقل إلى هذه الوزارة ولكن المهم أيضا أن يسعى معاليه إلى إعادة التلاحم والثقة بين وزارة الثقافة والإعلام من جهة وبين المثقفين والفنانين من جهة أخرى. بارك الله في المملكة وفي قيادتها العظيمة.
بقلم عبد الله بن بخيت