لو يحاكمنا التاريخ لدان معظم مراحل حياة العرب خلال قرن من الزمان حيث كل الشعوب والأمم التي عانت القهر والاستعمار، وجدت فرصتها في النهوض من خلال التحديات، إلا الأمة العربية التي حاصرت نفسها بسلبيات تواريخها، وقد كانت الأماني كبيرة بعد تحرر العديد من الدول من الاحتلال الخارجي، فكانت الدعوات لوحدة وادي النيل بين السودان ومصر، وبلاد الهلال الخصيب، والعراق، والجزيرة العربية بما فيها الدول الخليجية، وقفزت الآمال بأن تكون أسرع الوحدات المغرب العربي الذي كان نُضج وحدته الأكثر والأقرب من المشرق، إلا أن عواصف القطرية، والإقليمية، وانقسام المجتمعات العربية الداخلية بين الأحزاب ثم التباينات الاثنية والقبلية، والطائفية، نقلت آمال التضامن أو التوحد إلى الحروب الأهلية، إما بالاتهامات أو باستخدام السلاح، ولا تزال الصور المتتالية نراها ماثلة أمامنا في الصومال، والعراق، وفلسطين والسودان، وهي المحنة الكبرى لوطن تجزئه الكلمة، بدلاً أن تضعه على درب النهوض الشامل..
عودة العلاقات السورية العراقية تدخل ضمن الرجوع إلى العقل لأن البلدين لديهما تاريخ مشترك، ولهما بُعد عربي وخارجي في مختلف مراحل الحياة العربية، وبصرف النظر عن الماضي الذي لم نتعافَ من سلبياته، فإن التصرف أمام الخطر الراهن بعقلية مصالحنا الوطنية والقومية، سيرحل بنا من حالات التنافر والخلافات إلى الوعي بقيمة وجودنا على الخارطة العالمية ولعلنا الآن نجتاز وضعاً خطيراً، بكل ما تعنيه الحقائق، إذ أزماتنا سياسية، والدليل أن التعايش بين طوائف العراق، وقومياته، لم تكن بارزة كما هي الآن لتصل إلى تهديد وحدته، وقد كانت دمشق وبغداد مصدر غذاء معظم الدول العربية في المشرق، وحتى الحدود كانت القبائل تجتازها بدون هوية أو رسوم دخول وخروج، فهل كان الماضي شبه الأمي أفضل من عقد السياسة التي أفرزتها الأحزاب، وقضت عليها الشكوك والريبة بين الدول العربية الأقرب للتواصل والتعايش.. في عصرنا الراهن؟..
لقد توّج الغرب إسرائيل كأكبر قوة اقتصادية وعسكرية في المنطقة، وتكاد من سخرية القدر، أن توازن بجغرافيتها وسكانها كل المساحات العربية وشعبها، وهي سابقة تاريخية لم تأت مصادفة، ولكنها من رحم الهزيمة الذاتية نبت وجودها وكرست هزيمتنا، ثم لتصبح أمريكا البديل القاهر عن الاستعمار القديم حين شكلت مع إسرائيل محور القوة والتدخلات العسكرية ورسم خرائط المنطقة على مستوى كانتونات وقوى متصارعة، فهل تلك التجارب تمضي بنا إلى العقل وتدبر أمورنا أم إلى جحيم آخر؟..
جريدة الرياض - كلمة الرياض