اعتقال وملاحقة
وبعد ازدياد أعمال الانتفاضة الأولى" انتفاضة الحجارة"، بدأت سلطات العدو الصهيوني التفكير في وسيلة لإيقاف نشاط الشيخ أحمد ياسين، فداهمت منزله في شهر أغسطس/ آب في العام 1988م وفتشته وهددته بنفيه إلى لبنان.
وعند ازدياد عمليات قتل الجنود الصهاينة وتصفية العملاء المتعاونين مع المحتل الصهيوني قامت سلطات الاحتلال وتحديدا في اليوم الثامن عشر من مايو/ أيار من العام 1989 باعتقاله مع المئات من أعضاء وكوادر وقيادات حركة "حماس"، وأصدرت محاكم الاحتلال حكما عليه يقضي بسجن ياسين مدى الحياة إضافة إلى 15 عاما أخرى عليه وصدر الحكم في السادس عشر من أكتوبر من العام 1991م، وذلك بدعوى تحريضه على اختطاف وقتل الجنود الصهاينة، وتأسيس حركة المقاومة الإسلامية "حماس" والتي فتحت صفحة جديدة من تاريخ الجهاد الفلسطيني المشرق.
الإفراج والإقامة الجبرية
وخلال اعتقاله في سجون الاحتلال الصهيوني، حاولت مجموعة مجاهدة تابعة لكتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة "حماس" الإفراج عن الشيخ ياسين ومجموعة من المعتقلين في السجون الصهيونية بينهم مرضى ومسنين ومعتقلون عرب اختطفتهم قوات صهيونية من لبنان، فقامت باختطاف جندي صهيوني قرب مدينة القدس المحتلة في الثالث عشر من ديسمبر من العام 1992 وعرضت على الكيان الصهيوني مبادلته نظير الإفراج عن هؤلاء المعتقلين، غير أن سلطات الاحتلال رفضت العرض وقامت بشن هجوم على مكان احتجاز الجندي مما أدى إلى مصرعه ومصرع قائد الوحدة الصهيونية المهاجمة واستشهاد قائد المجموعة الخاطفة.
تم إطلاق سراح الشيخ ياسين فجر يوم الأربعاء الأول من أكتوبر من العام 1997 وتم إبعاده إلى الأردن بعد ثمانية أعوام ونصف من الاعتقال في سجون الاحتلال، وتم الإفراج عن الشيخ ياسين بتدخل شخصي من العاهل الأردني الراحل الملك حسين بن طلال.
تدخل الملك الحسين جاءت بعد أن كانت عملية فاشلة قام بها الموساد الصهيوني لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل في عاصمة الأردن عمان، حيث أثارت هذه العملية غضب الحسين وطالب بالإفراج عن الشيخ مقابل إطلاق عميلين من الموساد تم توقيفهما في الأردن.
وبسبب اختلاف سياسة الحركة الإسلامية عن السلطة الفلسطينية، كثيراً ما كانت تلجأ الأخيرة للضغط على "حماس"، وتستخدم عددا من الأساليب في هذا السياق، ومن خلال خطواتها هذه فرضت السلطة الفلسطينية أكثر من مرة على الشيخ أحمد ياسين الإقامة الجبرية مع إقرارها بأهميته للمقاومة الفلسطينية وللحياة السياسية الفلسطينية.
نال ما كان يتمنى
وبعد أن فشلت قوات الاحتلال في ثنيه عن منهجه وطريقه الذي قرر السير عليه لتغيير الواقع الفلسطيني والإسلامي الصعب، أعلنت مصادر صهيونية في الثالث عشر من يونيو 2003م، أن الشيخ ياسين لا يتمتع بحصانة، وأنه عرضة لأي عمل عسكري صهيوني.
ولم يطل زمن هذا التهديد كثيرا، ففي السادس من شهر سبتمبر من العام 2003م، تعرض الشيخ لمحاولة اغتيال صهيونية عندما قامت مقاتلات الاحتلال من طراز F/16 بإلقاء قنبلة زنة ربع طن على أحد المباني في قطاع غزّة، وكان الشيخ أحمد ياسين متواجداً في شقّة داخل المبنى المستهدف مع مرافقه إسماعيل هنية، فأصيب ياسين بجروح طفيفة جرّاء القصف، وأعلنت حكومة العدو الصهيوني بعد الغارة الجوية أن الشيخ ياسين كان الهدف الرئيسي من العملية الجوية.
وتم اغتيال الشيخ أحمد ياسين من قبل الاحتلال الصهيوني وهو يبلغ الخامسة والستين من عمره، وذلك بعد مغادرته مسجد المجمّع الإسلامي الكائن في حي الصّبرة في قطاع غزة، وأدائه صلاة الفجر في الثاني والعشرين من شهر مارس من العام 2004م بعملية أشرف عليها رئيس الوزراء الصهيوني آنذاك "آرئيل شارون"، وفي هذه العملية قامت مروحيات الأباتشي الصهيونية بإطلاق 3 صواريخ تجاه الشيخ المقعد وهو في طريقه إلى بيته مدفوعاً على كرسيه المتحرّك من قِبل مساعديه، فاستشهد ياسين في لحظتها وجُرح اثنان من أبناءه في العملية، واستشهد معه سبعة من المواطنين ومن مرافقيه.
حماس على خط الشيخ
وعما كان يمثله الشيخ أحمد ياسين لحركة "حماس" قال النائب الدكتور صلاح البردويل القيادي في الحركة:" إن كل انتصار وكل يوم يمر على هذه الحركة هو ذكرى للشيخ، فالشيخ لا تنحصر ذكراه في الموعد السنوي لاستشهاده، بل إن ذكرى الشيخ في كل يوم وفي كل لحظة تمر، وتشعر الحركة فيها أنها تنجز وتقاوم وتخترق الحواجز السياسية، فهذه ذكريات للشيخ لأنه هو المؤسس.. ويمثل الأساس لهذه الحركة، فهو الشعلة التي انطلقت منها كل فعاليات الحركة".
وأضاف:" الشيخ ليس مجرد ذكرى، وإنما الشيخ هو مؤسس وهو كيان ويسري في عروق كل أبناء الحركة بما تركه من مبادئ وأفكار وروح متوقدة كانت تسري في جسده، ورغم أن هذا الجسد كان مشلولا، إلا أنه كان لديه إرادة وقلب وعقل وضمير وإقدام، وهذا العقل والإقدام والإرادة هي التي تتجسد في كل أبنائه سواء كانوا من العسكريين أو السياسيين أو من الإعلاميين أو الاجتماعيين، ففي كل مجال نجد الشيخ وذكراه، وفي كل يوم نراها ماثلة من خلال ما تقدمه الحركة من انجازات".
وعما إذا كان نهج حماس وخطها قد تغير بعد استشهاد المؤسس الأول للحركة، قال البردويل:" إن كانت تغيرت حماس بعد استشهاد الشيخ فقد تغيرت إلى الأحسن، فمفهوم التغير والتغيير إما إلى الأسوأ وإما إلى الأحسن، فإذا كانت تغيرت فقد تغيرت إلى الأحسن؛ لأنها استفادت من كل ثقل الشيخ ومن تاريخ ومبادئ الشيخ وبنت عليها، وهي في تقدم كبير جدا وأنجزت إنجازات كبيرة جدا بعد استشهاد الشيخ".