الشبكة مسجلة لدى وزارة الثقافة و الاعلام


Google



منتـدى الــمــواضـيـع الــعــامــة خاص بالمواضيع المنوعة التي ليس لها قسم مخصص

 
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 18-04-09, 03:00 AM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو ماسي
الرتبة:

 

البيانات
التسجيل: Nov 2006
العضوية: 201
المشاركات: 1,342 [+]
بمعدل : 0.20 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 364
نقاط التقييم: 10
السيف is on a distinguished road

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
السيف غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:
اخر مواضيعي
 


المنتدى : منتـدى الــمــواضـيـع الــعــامــة
افتراضي هل تصغر الأمكنة !

لا يدري متى كان آخر عهده بالقرية ، ولكن المؤكد أن زمناً طويلاً حال بينه وبينها !! ولقد أصيب بالدهشة، وشيئاً يشبه القنوط حينما وقف عليها، كانت في مخيلته واسعة الطرقات، جميلة المنازل، حتى الأبواب كان يراها كبيرة، وجميلة.. الساحات كانت واسعة، كان الأطفال يلعبون بها، والشيوخ والكهول يجلسون في أفنائها، كانت ديوانية كبير البلدة ذات عمودين، وتجتمع بها الحشود فلا تملؤها.!! وحين رأها هذه المرة أصابته الدهشة، وسأل نفسه: هل الأمكنة تصغر، وتصيبها الشيخوخة فتنكمش، كما ينكمش البشر حين تصيبهم الشيخوخة، فيصغرون في أشكالهم ويتضاءلون.؟ لماذا ضاقت الطرقات، وصغرت الأبواب، وانكمشت الساحات إلى هذه الدرجة؟ لماذا ضاقت الديوانية ذات العمودين، والسقف الرفيع، فأصبحت قميئة متطامنة ..؟! حتى النخلات الثلاث التي تقف عند باب القرية، والتي كانت تسد الأفق، وكانت مهجعاً للحمام، وموئلاً لبقية الطيور. أصابها الشحوب، والإعياء، فتضاءلت والتف بعضها ببعض كثلاث نساء مذعورات ..!!
من المؤكد أنه وفقاً للقوانين الهندسية، فإن شيئاً لم يحدث للمكان، فلا يمكن للبيوت أن تكون قد زحفت إلى بعضها، فضاقت الطرقات، ولا يمكن أن تكون الساحة هي الأخرى تدانت حول الجدران حتى صغرت، ولا الديوانية هزل نموها فتضاءلت، وتقاربت حيطانها. أبداً، ولكنها الذاكرة، والذاكرة لا قانون لها، ولا ضابط. فهي لا تختزن الصورة كما تختزنها آلة التصوير، فتبقى محكومة بقانون مساحي هندسي منضبط .. لا فالذاكرة تتمدد أحيانا، وتنكمش أحياناً أخرى، بل ربما تختفي الصورة في ضباب الذاكرة، وغبشها، وقد ينحسر هذا الضباب، فتعود.. إنك تعرف مثلاً شخصاً فيتوارى ، ويغيب في ضباب الذاكرة، فتنساه، وفجأة يعود فنذكره !! ومثل ذلك البيت من الشعر تنساه بل تبحث عنه فلا تهتدي إليه، ثم تجده وبدون مقدمات، وربما وبدون سبب واضح يقفز على لسانك فتأخذ في ترديده.
إذاً ما الذي حدث ؟ لماذا صغرت البلدة التي كانت ضخمة فخمة في ذاكرة الطفولة..؟! أظن أن مرد ذلك هو تباين الصورة، وغضاضة الذاكرة، وخيالها الطفولي مقارنة بواقع صورة النضج التي يعيشها. فهو اليوم يعيش في مدينة، تتسابق السيارات في شوارعها.. ويسكن بيتاً، أو يرى بيوتاً صالاتها أكبر من أكبر بيوت تلك البلدة، ويرى أبوابا تدخل منها السيارات الفارهة.. إن الذاكرة قد التقطت تلك الصورة القديمة كما هي ولكنها تضاءلت في فضاء، ورحابة المدينة ومكوناتها، التي صار ينطلق في شوارعها وبين عمائرها الشاهقة، وبيوتها الفخمة، ومن ثم فإنه دخل القرية بذاكرة المدينة وصورتها.. وبسبب طول العهد، وانقطاع الصلة، مع أن كل شيء ظل على حاله كما هو.. إن الصورة الذهنية تراوغ وتخدع وتخون الذاكرة في كثير من الأحيان، وبالذات في مجال المقارنة بين صورة القديم والحديث ، إذ طال بها العهد، وامتدت بها الأيام، ولا شك أن الذين يذهبون إلى قراهم، وأمكنتهم، ومزارعهم القديمة، ويعودون إليها بعد انقطاع، وطول غياب، سوف يصابون بنفس الدهشة، وسوف يأخذهم العجب عندما صغرت هذه الأشياء، رغم سعتها، وبراحها القديم!!
لكن شيئاً مطلقاً لن يصغر ولن يتبدل أبداً، ألا وهو الحنين، والتوق، والشوق إلى تلك المرابع، والعهود.. وأن كل من وقف على تلك الأمكنة الأليفة سينتابه الشجى، والشجن، وربما اللوعة، وكأنه قيس بن الملوح حين وقف على جبل التوباد بعد غياب طويل، فأجهش بالبكاء له، وتخيل أن الجبل قد كبّر لله حين رآه فقال : وأجهشت للتوباد حين رأيته وكبّر للرحمان حين رآني


بقلم / عبد الله الناصر















عرض البوم صور السيف   رد مع اقتباس
 

الكلمات الدلالية (Tags)
الأمكنة , تصغر


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:21 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

إنطلقت الشبكة في 2006/10/17 م - المملكة العربية السعودية - المؤسس / تيسير بن ابراهيم بن محمد ابو طقيقة - الموقع حاصل على شهادة SSL