المتحدثون دائماً عن الحرية، التي لا تقف في وجهها التقاليد، ولا تنشغل بإشكالية الأعراف، ولا تتوقف عند مفهوم الأصالة.. كثير منهم في الواقع بعيدون عن الحرية الحقيقية ومفهومها... ومع ذلك عملوا بإرادتهم.. وبمقاييسهم التي ترى أن أهم سبب لترسيخ هذا الكيان الإنساني في أذهان الآخرين.. الحديث عن الحرية وبالذات في العالم العربي المحروم منها. تكثر في أحاديثهم مفردة الحرية وكيف يكون بناء المجتمعات الحرة بمواطنين أحرار.. يتمتعون بحرياتهم التي لا أحد يمنحها لهم.. ولكنها حق من حقوقهم الذي لابد أن يستمتعوا به.
يطرحون دائماً ان كل قضايا الأوطان تظل معلقة.. مالم يستوعب المواطن مفهوم حريته.. وحدودها.. وقد يرى أحدهم أن لا حدود للحرية الممنوحة للمواطنين.. ولا ينبغي أن ينتظروا وصولها.. بل يجاهدون من أجل أن تصل إليهم.
يتحدثون أن مرحلتنا الحالية ينبغي أن تكون قد تجاوزت معضلة كبت الحريات والتفكير في ملامسة سقفها.
يعتقدون أن هذه الحرية ينبغي أن تصبح الآن في موازين مواريث الشعوب وليس في ملفات أحلامهم.
يرى أن سقف الحرية مفتوح ولا تحده حدود، سواء تحدثاً.. أو تفكيراً أو عقلاً.. فالحرية لا تتجزأ.. فالعقل الحر ينتج عنه حديث أكثر تحرراً.. وفهم للحرية أيضاً لا يتوقف عند محطات خوف.. أو تراجع.
شرسون هم عندما يدافعون عن أفكارهم المطروحة عن الحريات. تتخيل وأنت تسمهم بأنك في زمن فتحت كل أبوابه.. وتتهيأ للاندماج مع أزمنة حالمة لا تعرف إشكالية الوسط.. ولم تمارس يوماً توقفاً غيرمبرر.
الحرية... التي لا يمكن أن تتعايش مع الانتهازية... ولا يمكن أن تشكل وحدة اندماجية مع الانتهازيين والأفاقين والجبناء.
إنه زمن الحريات.. زمن فتح دفاتر الحقوق الغائبة.. التي سكت عنها أصحابها حيناً.. وجهلوا أماكنها حيناً آخر.
زمن الحريات التي تنظم السلام الاجتماعي بين البشر.. دون أن يتشكل هناك قلق على المصير.. أو رعب من الفوضى أو الخضوع لميزان الصمت.. أو الهروب من نقطة انطلاق المتغيرات التي عادة ما تهاجم الأزمنة التي شاخت.. لتشكل معها لحظة تصادم قوية.. تُرسم بعدها خطوط عامة للتحول، وتفكيك ما مضى.
حرية.. حرية.. حرية فردية.. حرية اختيار.. حرية مشروطة.. حرية ترتكز على بنود القانون.. وحرية بلا قانون أو نظام.
حديث الحرية يجعل كل الطرق آمنة أكثر من غيرها.. يجعل من لحظات الصراع النفسي غايات للوصول إلى مواجهة فعلية مع النفس.. وحاسمة.. مواجهة آنية لا تنتظر المزيد من الوقت.
أدمجت كل مفردات الحرية المرغوبة.. والحرية الممنوحة.. والمشروطة.. وغير المقيدة.. في طريق واحد.. لا تبدو خطاه مرسومة.. ولكن ماذا بعد؟
ماذا بعد كل هذه الصيغ عن الحرية؟
وهذه المفردات والعبارات التي تتناقض مع بعضها أحياناً؟
وكيف نتفاعل مع كل هذه المفاهيم التي تدفعها إلى طريق الحرية ونحن نلمح منظريها محرومين منها؟
كيف نتغاضى عن أخطائهم.. وانتماءاتهم.. ومصادرتهم لفكر الآخر.. ورأيه وإنسانيته.. وكينونته؟
كيف نصدقهم.. وهم في الأصل لا يتمتعون إلا بحرية التنظير.. ورص الصفوف وبمحاولة فرض الوصاية على المتلقي؟
نبحث عن الحرية ولكن أين نجدها؟
نبحث عنها وأغلب من ينظر لها مدان لانتمائه، أو طائفته؟ أو نظامه.. أو تنظيمه؟
نريد الحرية ولكن ممن هم أحرار في الأصل، وبالفعل.. مخلصون لمبادئهم التي تنشغل بالإنسان أولاً في أي مكان وزمان بعيداً عن انتمائه أو طائفته.. حرية تمنح التحرر من كل الأطراف.
نريد الحرية ممن لا يمارسون القهر لفرضها بالقوة.. وممن يصلون من كل الطرق المفتوحة وليست المغلقة..
نريد حرية تمنح الإنسان ذاته ولا تخرجه من دائرة لتقذف به في دائرة أخرى.
بقلم نجوى هاشم