بدأ نزول الكثير من حويطات شمالي الحجاز الى الديار المصرية قبل ثلاثة قرون من الزمان و للحويطات دور بارز و نشاط حيوي مع الوالي محمد علي باشا و احفاده منذ اوائل القرن التاسع عشر الميلادي و حتى منتصف القرن العشرين الميلادي و قد كان تقدير محمد علي باشا للحويطات كبيرا لصدق ولائهم له ضد منافسيه من المماليك و من عاون هؤلاء المماليك من قبائل العرب في مصر . ثم زاد اعزازه للحويطات بعد تأييدهم الرسمي و العلني لمحمد علي في بقائه بحكم مصر رغم عزله من السلطان العثماني بفرمان عال من اسطنبول بتركيا في بداية حكمه ( اوائل القرن التاسع عشر الميلادي ) و قد تجلى اعلى مراتب التشريف لوفد الحويطات عندما نزل محمد علي باشا حاكم مصر بنفسه اليهم في امبابه و هي ما بين القاهرة و الجيزة و ذلك في عام 1220 هـ . و قد ضرب لهم المدافع تقديرا و تحية و اجلالا لموقفهم و مؤازرتهم له * و لانه كان في حاجة لفرسان البادية شديدي المراس مثل الحويطات الذين لعبوا دورا هاما مع قواته في الصحراء الشرقية و غيرها * و قد اقطع محمد علي باشا عائلة الشدايدة من عشيرة الموسة ارضا كبيرة في محافظة القليوبية من اجود الارضي الزراعية في الديار المصرية * و اعتبر ابن شديد عمدة الحويطات في بر مصر كلها و قد جعل تقاربه الى محمد علي ان اعتبره من نبلاء مصر و قيل لي رواية ان شديد كان لقبا و ليس اسما لجد عائلة الشدايدة من عشيرة الموسة * و ملخصها ان جدهم ذهبال ل الى محمد علي في القلعة ممتطيا فرسه فلما رآه الوالي قال له : انت رئيس عرب حويطات ؟ قال : نعم في بر مصر فقط و تحت مشيخة ابو طقيقة * قال : يعني انت شديد ؟ قال نعم يا حضرة الوالي شديد * و رفع يده قابضا اياها ليؤكد ذلك و قد اطلق عليه اللقب بعد ذلك في مصر و صار اولاده يسمون الشدايدة و توارثوا العمودية على الحويطات * و جدهم كان المتصرف في الامور الادارية بميناء السويس مع حويطات السعودية و بتكليف من ابو طقيقة الشيخ العام للحويطات .
و من اقدم الافخاذ النازلة من بر الحجاز بالسعودية الى الديار المصرية هي :
الموسة مثل العماني و الهليمي الى جانب افخاذ من العمران مثل السيايحة و الحميدات * و كذلك افخاذ من السلالمة و الطقيقات و الجواهرة و غيرهم * قد نزلوا تباعا من جميع العشائر الحويطية في الحجاز .
و كان الحويطات يشاركون في سلاح الفرسان المصري ايام محمد علي و قد قتل كثير منهم في معارك الجيش المصري داخل و خارج مصر * و لاتزال رفات الفرسان الذين قتلوا من الحويطات قابعة في مقابر قيدباي في القاهره قرب قلعة صلاح الدين الايوبي التي غير اسمها محمد علي باشا و أسماها باسمه * و هذه المقابر تشهد لعنصر الحويطات الفعال في تاريخ مصر الحديث
و كان بدو الحويطات من سكنوا الصحراء الشرقية لمصر يشتهرون باقتفاء الاثر و يساهمون مساهمة فعالة مع سلاح الحدود الذي ظهر فيما بعد في عهود احفاد محمد علي باشا * كما كان يملك الحويطات الابل الاصيلة التي جلبوها معهم من الحجاز * و ما زال الحويطات في مصر يملكون الابل و الاغنام الكثيرة و غير ذلك ممن مارس الفلاحة و الزراعة في الارياف المصرية و بعضهم تحضر في المدن على رأسها القاهرة و السويس و بلبيس و حلوان و الجيزة و قليوب * و كان عرب الحويطات من اقوى و احب البادية الى قلب محمد علي باشا خصوصا لمؤازرتهم القوية له ضد منافسيه الاقوياء من المماليك بقيادة الألفي بك و من عاونه من قبائل بلي و العيايدة * و قد استطاع محمد علي باشا ان يطيح برأس المماليك جملة واحدة و في يوم واحد في مذبحة القلعة الشهيرة التي دبرها لهم بعد ان جمعهم في حفلة و جردهم من سلاحهم * و لم ينج سوى مملوك واحد قفز بجواده من فوق القلعة فمات الحصان و نجا هاربا الى الصعيد او لجأ الى البدو في الصحراء المصرية و بعد هذه الحادثة اندثر المماليك من مصر الى الابد
و لذلك لم ينسى محمد علي وقفة الحويطات معه في بداية تدعيم حكمه لمصر و كان مخلصا بالمقابل معهم
و ابسط مثال من الوفاء هو انه في عام 1221 هجري حدثت مشاحنة مابين جماعة من الحويطات و اخرى من العيايدة بنواحي الخانكة بمحافظة القليوبية و بعد ان انقطعت السبل بين الطرفين و بدأ القتال بينهما و علم شيخ البلد بذلك اسرع محمد علي باشا والي مصر بنفسه بعد ان وصله الخبر الى تجهيز قوة عسكرية و نزل العدلية للتدخل الى جانب الحويطات و لكن زعماء مصر و على رأسهم عمر مكرم قد تدخلوا بسرعة للصلح بين العربان حرصا على دمائهم * و لأن البلاد المصرية في حاجة اليهم و لما نجحت الوساطة المصرية من كبراء البلد و بعض شيوخ الازهر امر محمد علي بسحب قواته من العدلية الى القلعة و هكذا عبر والي مصر تعبيرا جميلا للوفاء بالجميل مع عرب الحويطات الذين قد اصبح رصيدهم لدى محمد علي و احفاده من بعده يكبر * و صار صيطهم في الاوساط الشعبية يشتهر * و ذلك لمساهمتهم القوية و الفعالة على مدى عشرات السنين ابان القرن التاسع عشر الميلادي و ذلك في بناء امبراطورية مصرية عربية قوية حتى جاء الاحتلال البريطاني لمصر عام 1882 م و هكذا كما المحنا بتلخيص مبسط لدور الحويطات المشرف في تاريخ مصر و المجتمع العربي و هذا عهد الحويطات دائما سباقين لخدمة امتهم العربية المجيدة في الجزيرة العربية و خارجها و سيظل تاريخهم ناصعا يشرف كل حويطي عبر الاجيال الحاضرة و المستقبلة
بقلم المؤرخ الأستاذ / محمد سليمان الطيب