رقـم الفتوى : 8043عنوان الفتوى :التمييز بين الهدية والرشوةتاريخ الفتوى :16 صفر 1422 / 10-05-2001السؤال لو طلبت من إنسان عملا معينا - ولا يكون على حساب الآخرين - وقدمت إليه هدية معينة بقصد تشجيعه على هذا العمل لا بقصد الرشوة فما الحكم في هذا؟ جزاكم الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الهدية المحرمة - والتي هي بمعنى الرشوة- هي: ما يهدى لإبطال حق، أو لإحقاق باطل.
وهي التي جاء فيها أنه صلى الله عليه وسلم: "لعن الراشي والمرتشي" رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح.
وروى الإمام أحمد والأربعة قوله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم".
وفيما يخص سؤالك: علينا أن نميز بين كون ذلك العامل يعمل لحساب جهة أخرى، أم أنه حِرفيٌّ له عمله الحر الخاص به كالنجار مثلاً، فإن كان حرفياً فالهدية إليه لا بأس بها.
أما إن كان موظفاً أو عاملاً لحساب جهة أخرى، فلابد من التفصيل في ذلك:
1/ إن كان قد طلب هو منك الهدية، فلا ينبغي إهداؤه، فطلبه للهدية فيه معنى إنجاز العمل مقابل الهدية، فهو رشوة.
2/ وإن كان لم يطلبها، لكنك تعلم أنه لا ينجز العمل إلا بإهدائه هدية ما، وكنت مكرها على إعطائها له، وليس فيه إحقاق باطل، أو إبطال حق، أو تقديمك على من سواك، فلا شيء عليك، والإثم عليه، فقد ورد في الأثر: أن ابن مسعود كان بالحبشة فرشا بدينارين حتى خلي سبيله، وقال رضي الله عنه: إن الإثم على القابض دون الدافع.
3/ وإن لم يكن العامل قد طلبها هو، ولا يتوقف إنجاز العمل عليها، ولا ضرر في إنجاز العمل لك، ولم تكن نويت بهديتك الرشوة، فلا بأس بالهدية، وإن كان الأولى أن لا يهدى لمثله في حال إنجاز عمل للمهدي، كي لا يعتاد مثله على ربط إنجاز الأعمال بالإهداء لهم، فيبقى أحدهم متشوقاً للهدية، وكي لا تعتاد أنت على الإهداء مقابل إنجاز الأعمال، ولئلا يتوهم الآخرون أن هذا مقابل هذا فيشيع السوء، والظن به بين الناس. والله أعلم.
الفرق بين الرشوة والوساطة
هل حكم الرشوة يطابق حكم الوساطة في قضاء المصالح ؟.
الحمد لله
أولا :
الوساطة هي الشفاعة ، وقد تكون شفاعة حسنة أو سيئة ، والحسنة منها ما أعانت على الخير ، وتُوصل بها إلى تحصيل المباح ، دون اعتداء على حق آخرين ، أو تقديم من لا يستحق التقديم .
والسيئة ، ما أعانت على الشر ، أو كانت وسيلة إلى الظلم ، وتقديم من ليس أهلا ، وهذه قد تكون مع دفع الرشوة للوسيط ، وقد تخلو من ذلك .
وراجع السؤال رقم (
26801).
أما الرشوة فهي بذل المال الذي يتوصل به الإنسان إلى أخذ ما ليس له ، كأن يرشي القاضي ليحكم له بالباطل ، أو يرشي مسئولا ليقدمه على غيره ، أو يعطيه ما لا يستحقه .
والرشوة من كبائر الذنوب ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لعنة الله على الراشي والمرتشي) رواه ابن ماجه (2313) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه .
وراجع السؤال رقم (
22452) ورقم (
70367) .
ثانياً :
يجوز دفع الرشوة ، إذا لم يتمكن الإنسان من الوصول إلى حقه إلى بها ، وتكون حينئذ حراما على الآخذ دون المعطي .
قال ابن حزم رحمه الله : " ولا تحل الرشوة : وهي ما أعطاه المرء ليحكم له بباطل , أو ليولى ولاية , أو ليظلم له إنسان ، فهذا يأثم المعطي والآخذ .
فأما من منع من حقه فأعطى ليدفع عن نفسه الظلم فذلك مباح للمعطي , وأما الآخذ فآثم " انتهى من "المحلى" (8/118) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " إذا أهدى له هدية ليكف ظلمه عنه أو ليعطيه حقه الواجب كانت هذه الهدية حراما على الآخذ , وجاز للدافع أن يدفعها إليه , كما كان النبي يقول : ( إني لأعطي أحدهم العطية فيخرج بها يتأبطها نارا . قيل : يا رسول الله , فلم تعطيهم ؟ قال : يأبون إلا أن يسألوني ويأبى الله لي البخل ) . ومثل ذلك : إعطاء من أعتق وكتم عتقه , أو كان ظالما للناس فإعطاء هؤلاء جائز للمعطي , حرام عليهم أخذه .
وأما الهدية في الشفاعة , مثل : أن يشفع لرجل عند ولي أمر ليرفع عنه مظلمة , أو يوصل إليه حقه , أو يوليه ولاية يستحقها أو يستخدمه في الجند المقاتلة وهو مستحق لذلك , أو يعطيه من المال الموقوف على الفقراء أو الفقهاء أو القراء أو النساك أو غيرهم , وهو من أهل الاستحقاق , ونحو هذه الشفاعة التي فيها إعانة على فعل واجب , أو ترك محرم , فهذه أيضا لا يجوز فيها قبول الهدية , ويجوز للمهدي أن يبذل في ذلك ما يتوصل به إلى أخذ حقه أو دفع الظلم عنه , هذا هو المنقول عن السلف والأئمة الأكابر " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (4/174) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " أما الرشوة التي يتوصل بها الإنسان إلى حقه ، كأن لا يمكنه الحصول على حقه إلا بشيء من المال ، فإن هذا حرام على الآخذ وليس حرما على المعطي ، لأن المعطي إنما أعطى من أجل الوصول إلى حقه ، لكن الآخذ الذي أخذ تلك الرشوة هو الآثم لأنه أخذ ما لا يستحق " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (4/302).
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب