"كتابة العدل" من المؤسسات الحكومية الهامة وعملها له علاقة مباشرة بجميع شرائح المجتمع، رغم أنه بإمكان القطاع الخاص وخاصة مكاتب المحاماة المرخص لها القيام بمثل هذه الأعمال مقابل رسوم. عندما تزور مبانيهم تجد رجل الأعمال وجميع موظفي الدولة عسكريين ومدنيين ذكوراً وإناثا يترددون على كتابة العدل.
"إدارة" بهذا الوضع تحتاج إلى أن تكون على مستوى عال جداً من المهنية في إنجاز مهام المواطنين واستغلال كل الوسائل التي تختصر وقت المراجع كما تحتاج إلى موظفين يدركون أهمية الوقت.
أجبرتني الظروف أن أكون أحد المراجعين لكتابة عدل الرياض، التي تقع في مبنى مصمم ومنفذ بأفضل الطرق، يحوي أثاثا عملياً وفاخراً، وجميع المكاتب مزودة بالتقنية، بشكل عام لا تفرق بين مبنى كتابة عدل الرياض ومبنى لشركة متطورة بل إن مرافقي أبلغني أن المبنى صمم ليكون فندقا. ومع ذلك فمصالح الناس تتعطل بشكل متعمد! فما هو السبب؟ الإجابة، مباشرة، إنهم "الموظفون"!
الدولة وفرت كل ما من شأنه تسهيل العمل من مبنى وتقنية وغيرها ولكن كل هذه الجهود تفتت أمام موظف "يحتاج" إلى "إعادة" تأهيل وخاصة في ثقافة الوقت.
حضرت للمبنى الساعة السابعة والنصف صباحا ومع ذلك لم يفتح الباب إلا الساعة الثامنة صباحاً، فهل العمل في الدولة يبدأ السابعة والنصف أم الثامنة؟
دخلت إلى إحدى القاعات التي تضاهي قاعات الفنادق بأثاثها وتقنياتها وتحوي ما يقارب عشرين مكتبا لمواجهة الطلبات. فإذا جميع المكاتب فارغة ولا يوجد "أي موظف" وعندما سألت المواطنين الذين ينتظرون على المقاعد أبلغوني أن الموظفين لا يتواجدون إلا الساعة التاسعة صباحا!
انتظرت حتى التاسعة صباحاً وكنت أتوقع على الأقل حضور جميع الموظفين لمواجهة العدد الكبير من المراجعين ولكنني فوجئت بحضور موظف واحد فقط. ملامح وجهه وطريقة تعامله تشعرك أنه غير راغب في مواجهة هؤلاء المراجعين وإنجاز معاملاتهم.
قصة طويلة ليست الهدف في ذاتها، لم يدر في فكري إنجاز موضوعي بقدر ما "فكرت" في كيفية تبديد جهود الدولة وما تصرفه لراحة المواطن من قبل موظفين "لا يشعرون" بأهمية الوقت. تألمت وأنا أشاهد الضابط ببدلته العسكرية والطبيب بلباس المستشفى ينتظرون ساعات لمهمة كان من الممكن إنجازها في دقائق معدودة إنها الإدارة يا معالي الوزير!!
لا نرغب أن تحرر لنا إدارة العلاقات ردا "تبريريا" نرغب أن "تستثمر وتقدر" الجهود من خلال توظيف مشرفين وموظفين متشبعين "بثقافة الوقت" وعلى قدر المسؤولية وخاصة في مثل هذه المواقع التي لها علاقة مباشرة بجميع شرائح المجتمع.
سعد محمد مارق