الحوار في الثّقافة الاجتماعية العربية
يشكل الحوار أزمة واضحة بين المتحدثين باللسان العربي، فمن النّادر أن يمر نقاش أو حديث عربي بغير تنابذ وتخالف وصراخ، وتضييع للوقت بغير نفع، وقد درجت بعض البرامج الفضائية على استضافة النخب الثقافية العربية إلى برامجها، فكان المرء يشاهد العجب العجاب، ثم يتساءل ذوو الحل مإذا كان هذا هو حال أهل الرأي والدراية، فما هو حال من هم دونهم من عامة الناس؟ إن العرب أمة واحدة ولها لسان مشترك فمن المستبعد أن تكون المشكلة في إطار اللغة، على الأرجح أن البنية الثقافية التربوية الاجتماعية هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن إشكالية اللاتفاهم، وعدم القدرة على خوض حوار مثمر. لأن اللسان العربي بمدلول اللغة ليس أكثر من كلمات، والكلمات إنما هي وعاء للأفكار، والأفكار هي مخرجات العقل،والعقل يتشارك في معالجة معطيات المعرفة مع القلب باعتبار أن القلب مركز رمزي للعواطف. فإذا كان لدينا مشكلة في التفاهم والحوار فلابد أن نبحث عن الخلل في هذه العناصر الثلاث: العقل، القلب، اللسان. فإذا سلمنا جدلاً أن المتحاورين لديهم نفس اللسان ، فيبقى العنصران الآخران.
أحاديثنا معظمها ثرثرة، ومزاعمنا لا حدود لها وحوارنا جدل، إلا أن الجدل بمعناه الفلسفي له دور خلاق وإيجابي كما هو معروف، فمثلاً الجدل عند الفيلسوف هيغل: الفكرة ونقيضها تولد فكرة ثالثة، في حين يستخدم المنطق العربي الجدل بمعناه المدمر: الفكرة ونقيضها تدمر بعضهما البعض .. كلاً منهما تستنفذ طاقة الآخر فتكون سبباً في إحباطها، وكذلك يكون حورانا مجرد رأيي في مخالفة رأيك والنقاش معركة لتصفية الخصم، ولن نخرج برأي ثالث أكثر نضجاً بل يجب أن يبقى في الساحة الفكرة أو نقيضها ولا شيء آخر، إنه حوار الطرشان . فكرتي مركزية أساسية، وفكرتك ثانوية هامشية، أنا علي أن أتكلم وأنت عليك أن تستمع، مشكلة الحوارلا يكون إلا في مثنى أو جماعة، لذلك فوجودك إلى جانبي في الحوار ليس له دور أكثر من وظيفة استكمال تقاليد الحوار بأن يكون هناك طرف آخر، أليس هذا هو منطق الحوارالعربي
والسؤال مرة أخرى لماذا لا نستطيع أن نجري حورات إيجابية؟
نحن نعتقد أنه يمكن فهم بعض أسباب هذه المشكلة من خلال تحليل بعض الجوانب العقلية الاجتماعية العربية، وهذا ما سوف نحاول فعله هنا، ولكن بإيجاز نتمنى أن لايكون مخلاً.
المجتمعات التي لا تطبق مفهوم العدالة الاجتماعية، تكون بيئة مناسبة لنمو ظاهرة التسلط، واتساع مساحة الأنا الفردية على حساب الجماعة، وبالتالي توفر تربة ملائمة لتشكل شخصية الدكتاتور أوالرأي الواحد، غير القابل للنقاش.
من جهة أخرى انخفاض المستوى المعرفي وانتشار الجهل بين مواطني المجتمعات العربية، يشجع عدم القدرة على إدارة حوار ناجح،
نتمنى أن نكون وقفنا فقط في عرض طرف من أطراف هذه المشكلة الراهنة في ثقافتنا.