من أكثر المشاهد إيلاماً رؤية الشباب الممتلئ حيويةً ونشاطاً وزهواً (والممتلئ جنوناً أيضاً) يتحول إلى قطع لحم تتناثر على الاسفلت والأرصفة وساحات العبث، في هواية غريبة وخطيرة وهمجية اسمها «التفحيط»..
المهزلة الفاجعة هنا هي تحويل آلة خطيرة إلى «لعبة» مسلية بينما هي، أصلاً غير مصممة للعب ولا للتسلية ولا لتسجيل البطولات التاريخية لا في الأزقة ولا ساحات الوغى. ولم يدر بخلد مصمم السيارة الياباني0(على الأرجح) أو غيره، أن تكون لعبة أو يمكن أن يفكر أي إنسان بتحويلها إلى لعبة..
لكن كل هذه الفجيعة للمصمم الياباني ولنا.. حدثت وغدت «طبيعية»..
شريحة من شبابنا وشباب آخرين في الدنيا المجنونة حولت السيارة إلى لعبة انتحارية..
لا يوجد نجم بلا جمهور يصفق.. ولا يوجد مفحّط بلا معجبين يتناقلون «بطولاته». وهذا الإعجاب هو الذي يشجع شباباً على ممارسة التفحيط ليفوزوا، للحظات بنشوة الشعور بالتفوق، حتى وإن كان تفوقاً متهوراً سفيهاً.
الشرطة توقف السلاح غير المرخص.. والسيارة تتحول بيد المفحط إلى «سلاح» أخطر من أسلحة كثيرة..
والمفروض أن توقف الشرطة المفحط وأي متفرجين في الموقع ويودعون الحبس، ويعاقب هو بصفته فاعلاً أصلياً لـ«جريمة التفحيط»، ويعاقب الآخرون بتهمة التحريض أو التشجيع على الانتحار.
وأقول «جريمة» لأن التفحيط تعدّى أن يكون مجرد تخريب وتدمير للمركبة ليكون تحويلاً للسيارة إلى أداة قتل للمفحّط أو للآخرين. إضافة إلى أن التفحيط، في رأيي، فعل من أفعال «السفاهة» التي توجب الحجر على الفاعل. ولا يمكن وصف شاب يدمّر سيارته بهذا الأسلوب العبثي، إلا أنه طائش السلوك وسفيه التفكير ويتعيّن منعه من ارتكاب أعمال التخريب هذه التي تتطور أحياناً إلى أعمال قتل مجانية، بدافع التسلية والعبث. واستدرارا لإعجاب مراهقين.
أجهزة الجوال تصور المزيد من هذا الجنون وتصبه في أسماع المراهقين الذين يتوقون إلى التعبير عن شخصياتهم بأساليب متنوعة بعضها عبثي وخطير وقاتل مثل التفحيط.
وهذه السلوكيات جنونية لا تنفع معها حملات التوعية فقط، وإنما حملات توعية مصحوبة بعقوبة سحب السيارة وتوقيفها. وبالذات سحب السيارة، لأن عقوبة الغرامة المالية لا تهم هؤلاء الطائشين ولا تردعهم، فالذي يجازف بحياته لا تهمة الغرامة المالية ولا يهمه من يدفعها. وعقوبة حبسه تجعله أكثر تهوراً وسخطاً. والأنسب أن يعاقب بسحب السيارة لمدة كافية ليشعر بالخسارة، وتكليفه بحضور محاضرة توعوية عن مساوئ التفحيط،، ليدرك مدى خطورة هواياته المميتة، ويتفرج على المشاهد المروعة لأعمال المفحطين، وخطاياهم، لعل مسام مخيخه المغلقة تتفتح، ويأخذ عبرة ويتعظ. ويحجم عن أن يكون أداة شيطانية للقتل.