لم تكن غاية أي كاتب أن لا ينصف المسؤول أياً كانت وظيفته، وقد كتبنا عن وزراء وغيرهم ليس بسبب الحصول على مقعد دراسي في الجامعة أو المعهد لابن، أو ابنة، أو استغلال النشر من أجل وظيفة ما، أو فتح مؤسسة، أو التمكن من الحصول على امتيازات خاصة، لأن الحصيلة مخالفة كبيرة يجب أن يعاقب عليها أي إنسان مؤتمن على فكره وقلمه، ثم إن الغاية ليست بفتح باب للخصومات أو التشفي، وإنما إبراز الحقيقة التي تعد الرابط بين كل مواطن دون تضخيم ببطولات على ورق ولا جبن يصل حد تجاهل الحق وفق ما شرعه الدين الحنيف..
هذا الاستهلال يفترض أن يجعلنا نقف على الخط الواحد من المسؤولية، ولعل ما يثار عن سلبيات لبعض المسؤولين، ويفسره البعض على أنه امتهان لهيبة الدولة يعد تحريضاً مبطناً، لأننا، وفي أي مقارنة عادية، نحن الأفضل في محيطنا العربي أمنياً واقتصادياً وتوطيناً للمال في الداخل بحرية تامة غير مقيدة، لكن ذلك لا يعمينا عن بعض السلبيات لأننا مجتمع ينزع لأن يكون منفتحاً في بحثه عن الإيجابيات، وإلا لو أغلقنا باب الاجتهاد في قضايانا العامة لربما تراكمت الأخطاء، وعجزنا عن إيجاد حلول لها..
نمر بأفضل حالاتنا الاقتصادية منذ الطفرة الأولى، وحين نقول إن ميزانية الدولة تضاعفت عشرات المرات، واستطاعت سداد الديون المتراكمة والكبيرة، فإن الغاية ليست الاعتمادات المالية للأجهزة الحكومية، وإنما سبل تنفيذها من أجل عوائدها، وإلا كيف تحدث فوائض كل عام، تجدول في ميزانيات العام اللاحق مما يثبت أن هناك خللاً ما في الاجراءات وليس في تغطية عجز المشاريع، ثم حين تتصاعد الأصوات عن الغلاء، وتكاثر البطالة، وعجز المناهج التربوية عن تلمس احتياجاتنا من الوظائف أو التخطيط لقواعد جديدة في استيعاب الطلبة مراعاة لزيادة السكان والوعي الصحي وتنوع الغذاء ووفرته التي قفزت بنسب المواليد إلى أرقام تصاعدية غير متوقعة..
لنأخذ الجدل حول غلاء الأسعار في المواد الضرورية، وقد طُرحت الأسباب والحلول، لكن هل الأدوار الوطنية واجبات ملزمة بحيث نأخذ بمبدأ كيف تواجه الشعوب أزماتها التي تفوق هذه الحالة الطارئة عندنا، لنجد الشعب كله يقف بالتبرع لمجهود حربي نتيجة غزو أجنبي، أو كوارث طبيعية، أو نشوء أزمات خارجية مثل الحروب الكبرى التي أطاحت بوسائل الإنتاج وشحه، وكيف تعاملت معه دول غنية بالبيع بالبطاقة وتخلي التجار عن مكاسبهم الخاصة دعماً للدولة والشعب..
التاجر عندنا لا تنقصه المواطنة، ولكن تنقصه المبادرة بمعنى أن هناك دولاً قامت باستيراد السلع وبيعها ودفع معونات لها، وهو تصرف لا تريده الدولة لكن هل قام التاجر بجزء من هذا الواجب؟ أم أن قناعته أن الدولة غنية وهي المسؤولة، بينما لا يقر بأنه يبيع ويشتري بدون ضرائب تصاعدية، أو تكاليف على مداخيله؟
بقلم الأستاذ / يوسف الكويليت