في أميركا استعدادات لانتخابات اعضاء الكونغرس. والرئيس السابق جورج بوش الأب يقول مسبقاً: لا أدري كيف سيتعامل الرئيس مع النتائج وهو يتوقع له الخسارة!! والرئيس الابن يعلق: "كنت أتمنى أن يقول: إنني متأكد من أنه سينتصر"!! عندما تصل الأمور إلى هذا الحد، وعندما تشير كل استطلاعات الرأي إلى تراجع شعبية وصدقية الرئيس. وعندما تدور نقاشات حول أسباب الفشل في استمالة العرب والمسلمين، وفشل المؤسسات الإعلامية التي أنشئت بعد الحرب على العراق (الحرة، وسوا) لهذه الغاية، وحول الميزانيات التي أنفقت لهذا الغرض دون أي نتيجة، وعندما تتميز الحياة السياسية الأميركية بالاتهامات حول المسؤولية عن التدهور الحالي في سمعة أميركا وإداراتها المختلفة، وازدياد حالة الكراهية لسياساتها، من أفغانستان إلى العراق وفلسطين، وصولاً إلى كوريا الشمالية.
وعندما يبدأ الحديث في اميركا نفسها ومن داخل الإدارة عن غطرسة هذه الإدارة وغبائها، وتنشر استطلاعات تفيد أن الرئيس الحالي هو أغبى رئيس منذ 128عاماً فهذا يعني أن ثمة شيئاً يستوجب التفكير والمعالجة. فهل تسعى الإدارة الحالية إلى ذلك؟؟
في الحقيقة، نسمع كلاماً كثيراً لكننا لا نرى تغييراً جوهرياً في الممارسات. لا تزال المكابرة هي العنوان الأساس الذي يميز ذهنية الفريق الحاكم في أميركا. ففي أفغانستان مثلاً تكاد حركة طالبان تستعيد سيطرتها على عدد كبير من المدن والمحافظات، وابن لادن لا يزال حياً يوجه الرسائل التهديدية في كل اتجاه، ومساعده ايمن الظواهري يطل دورياً ومن خلال مواقع يفترض بالأميركيين معرفتها ومن خلالها معرفة مكان وجوده، والملا عمر هدد منذ ايام القوات الأميركية وحلفاءها، وقلب الدين حكمتيار الزعيم السني المعروف في البلاد هدد مجدداً بأن تدفع القوات الأميركية وحلفاؤها الثمن وبأنه سيستعيد السيطرة على القرار!! وعمليات انتاج الأفيون وتهريبه لا تزال مستمرة. وليس ثمة أمن واستقرار والإدارة الأميركية لا تزال تتحدث عن نجاحات ولو بطيئة!! ولا ننسى في الوقت ذاته الدور الايراني المركزي في استقرار افغانستان والذي يزداد قوة!! وربما كانت ايران الأكثر إفادة من الأوضاع المتوترة هناك اليوم في ظل معركتها المفتوحة مع الإدارة الأميركية.
وفي العراق، فإن الخسائر (حتى كتابة هذا المقال) هي: 2795قتيلا أميركيا وأكثر من 20الف جريح، و 655ألف قتيل عراقي وما يزيد عن 750ألف نازح من جراء أعمال العنف منذ الغزو الأميركي. والبلاد على شفير حرب أهلية، بل حروب مفتوحة في كل اتجاهات. لا أمن ولا استقرار ولا مؤسسات ولا دولة ولا حرية ولا ديموقراطية كما وعد الأميركيون!! بل حديث عن تقسيم، بعد التطهير العرقي الطائفي المذهبي الذي تشهده عدد من المناطق العراقية وأزمة وتخبط أميركي بريطاني. وثمة معلومات عن اتصالات تجري بين الأميركيين وصدام حسين في محاولة لاستمالة أنصاره في مواجهة مع الآخرين، ويبدو أن الاتصالات قطعت شوطاً كبيراً لكن ثمة مسائل أساسية تتعلق بحزب البعث ودوره واستمراريته اسماً وتنظيماَ بحالته السابقة لا تزال قيد البحث. وفي كل الحالات، المسؤولون الأميركيون يتحدثون عن تغيير في الخطط دون تغيير في الأهداف فيما ترتفع نسبة الأميركيين الذين يشككون في نجاح إدارة بوش وفي السياسات التي اعتمدتها. كذلك فإن هذه السياسة أثرت على علاقات أميركا بعدد من دول المنطقة الصديقة وأعطت دوراً كبيراً لايران في كل السياسات وعندما تمت الانتخابات الأخيرة اعتبرت إدارة بوش أن إنجازاً كبيراً قد تحقق. وعندما اختير نور المالكي لرئاسة الحكومة قيل إنه الرجل المناسب وراهنت الإدارة الأميركية كثيراً عليه. اليوم تلقي هذه الإدارة بكل أخطائها على المالكي وحكومته في وقت تبدو فيه هي نفسها ضائعة ومربكة وغير قادرة على حسم الخيارات!!
إنه المستنقع الذي تغرق فيه القوات الأميركية والبريطانية في العراق. فالسيد طوني بلير رئيس الحكومة البريطانية في وضع مشابه لوضع الرئيس الأميركي بل في وضع أسوأ. شعبيته وصلت إلى أدنى مستوى. وهناك مطالبة شعبية بسحب القوات البريطانية من العراق، ووزيرة الخارجية البريطانية تقول: "قد يكون احتمال التقسيم الخيار الوحيد أمام العراقيين"!!
أهذا هو الهدف الذي جاءت لتحقيقه القوات الأميركية والبريطانية؟؟ أليس في قول الوزيرة ما يؤكد فشل السياستين الأميركية والبريطانية هناك؟؟ وهل الهرب إلى التقسيم يعزز الديموقراطية والحرية ويؤسس للشرق الأوسط الجديد الذي تبشر به وزيرة خارجية أميركا كوندوليزا رايس؟؟
لقد خرج رئيس الحكومة العراقية السيد برهم صالح من لقاء مع وزيرة الخارجية البريطانية ليقول: لا مكان للذعر. على الغرب "ألا يخاف". هكذا كان الخوف من الأميركيين والبريطانيين بات الخوف عندهم وهم بحاجة إلى من يطمئنهم!!
لقد استخدم الأميركيون والبريطانيون كل الخيارات والوسائل والأساليب ولم يصلوا إلى النتائج التي ذكرنا. ألا يدفع ذلك إلى الاقتناع بأن الحل الوحيد هو الحل السياسي الذي يقرره أهل البلاد ويكون لدول الجوار دورهم في أمن المنطقة لاسيما الدول الحريصة فعلاً على وحدة العراق وشعبه وأمنه واستقراره وعلى رأس هذه الدول المملكة العربية السعودية التي وقّع فيها "إعلان مكة" المهم في نهاية شهر رمضان المبارك وكان دعوة إلى نبذ العنف والاقتتال وكل دعوات التفتيت المذهبي والطائفي في العراق!!
إن استمرار الأميركيين والبريطانيين في سياستهم الحالية المستندة إلى الأمن والقوة والبعيدة كل البعد عن تأمين حقوق العراقيين ومصالحهم وضمان استفادتهم من خيرات بلادهم سيؤدي إلى مزيد من الكوارث.
سئلت وزيرة الخارجية البريطانية: هل سيعتبر التاريخ الحرب على العراق كارثة للسياسة الخارجية البريطانية؟؟ فقالت: "نعم ربما يكون الأمر كذلك"!! من يقرأ الواقع والمستقبل هكذا عليه أن يغير سياسته لتغيير الواقع وبناء المستقبل الأفضل!!
بقلم / غازي العريضي