مقيم يقدح من راسه ؟

أتابع منذ عدة سنوات الأخبار المختصرة التي تنشرها الصحف حول محاكمات المتورطين بكارثة سيول جدة، في بداية الأمر كنت أتابع باهتمام باعتبار أن أحكامها قد تشكل سدا قانونيا أمام سيول الفساد، ولكن مع طول المدة الزمنية لهذه المحاكمات بدأت أتابعها على سبيل التسلية، أحيانا أحول خبر المحاكمة إلى لعبة كلمة متقاطعة وأبدأ بالتفكير في حلول عبارات (أمين سابق)، (رئيس ناد)، (وكيل أمانة) ... إلخ، وفي أحيان أخرى أحول الأخبار إلى لعبة سودوكو وأبدأ بتحليل الأرقام الواردة في الأخبار، فهذه الستون مليونا على سبيل المثال تتعلق بالمائة مليون التي وردت في خبر آخر قبل عدة أيام في جريدة أخرى.

أما إذا شعرت بالملل من تحليل الأسماء والأرقام أتجه فورا إلى القصص والحكايات والمشاهد الطريفة المصاحبة لعمليات الفساد التي تنظر فيها المحكمة، فقصص كراتين العسل والسيارات الفاخرة ورزم الأوراق النقدية التي يتم تسليمها في لحظات يغلب عليها الاسترخاء دائما ما تثير فضولي ولكنها تنشر ناقصة بسبب التعليمات الصارمة التي تحيط بعملية النشر ولأن المحكمة غير مهتمة بالجانب المشوق من القصة قدر اهتمامها بالبحث عن الأدلة والبراهين.

ومؤخرا اتضح أن الإخوة المقيمين على اختلاف جنسياتهم يزاحمون المواطنين حتى في قضايا الفساد الكبرى التي يفترض أن تكون (مسعودة) بالكامل .. ولكن ماذا نفعل؟ .. فساد حتى في الفساد نفسه !، فقد ذكرت جريدة الحياة قبل يومين أن نحو 20 مقيما من جنسيات مختلفة بينها جنسيات آسيوية وأوروبية مثلوا أمام القضاء باعتبارهم متهمين في قضية كارثة سيول جدة، وأغلب التهم التي وجهت إلى هؤلاء المتهمين هي (الرشوة)، حيث اتهموا برشوة موظفين حكوميين في قطاعات مختلفة، إضافة إلى تقديم الهدايا ونقلها وتسليمها للمسؤولين.

وجاء في تفاصيل الخبر أن هؤلاء المقيمين يعملون في شركات مقاولات حصلت على عدد من المشاريع الحكومية التي طرحت عبر مناقصات وقدموا هذه الرشاوى المالية والعينية من أجل تسهيل وتعجيل معاملات شركاتهم، وقد تنوعت أشكال الاتهام فمن هؤلاء المقيمين من قام بتسليم الرشوة للموظف الحكومي من تلقاء نفسه (أي أنه مقيم يقدح من رأسه)!، ومنهم من كان يفعل ذلك بأمر من مدير أو صاحب الشركة (أي أنه يقدح من رأس المعزب)!، ومنهم من كان يوزع الهدايا في الإدارات الحكومية كي يسهل أموره وهو يظن أن ذلك من العادات والتقاليد!.

فأحد المتهمين على سبيل المثال وهو مهندس من جنسية عربية يعمل في إحدى الشركات جاء في سياق قضية رشوة قدمت لوكيل أمين سابق – عودوا إلى لعبة الكلمات المتقاطعة – وكذلك رئيس قسم الطرق في أمانة جدة حيث تمثلت هذه الرشوة في تأثيث مكتبيهما بأثاث مكتبي فخم، وفي مثل هذه الحالة أظن أنكم تتفهمون وضع المسؤول الحكومي الذي (يكشخ) بمكتب فخم وفجأة المهندس الطيب الذي أحضر له هذا الأثاث قبل عدة أشهر ليقول له بأن الموظفين يعطلون معاملة شركته بسبب أن المشروع الذي ينفذه يقع في مجرى السيل، من الطبيعي أن يصرخ المسؤول: (مين التعبان اللي يقول كدا؟ .. أصلا حنا شفنا مطر عشان نشوف سيل .. هات أوراقك أوقعها)، فيرد المهندس: لا شكرا .. (أنا وقعتها من رئيس قسم الطرق بس حبيت أحطك بالصورة عشان تعرف العراقيل اللي نتعرض لها عشان تعرفون ليش نتأخر في التسليم)!.

خلف الحربي
عكاظ

اخوى الفارس
يعطيك العااااااااااااااافيه