تعزيز الوسطية .. مسؤولية من ؟

هناك الآن نداءات ودعوات لتعزيز فكر الوسطية ونبذ ما عداه من التطرف والغلو والتنطع، لكننا لم نحدد بعد وبدقة من المسؤول عن تعزيز هذا الفكر وجعل الوسطية فعلا منهج حياة يقبل المتسامحين ويلفظ المتشددين ويعيد صياغة أفكار الشباب وسلوكياتهم.

إن أخشى ما أخشاه أن تكون هذه الدعوات مجرد كلام يطير في الهواء، حيث لا نجد منه شيئا بعد حين على الأرض التي أزعجها وأرهقها وأمضها التطرف إلى أن وصلت إلى حالة (داعش). تلك الحالة التي استبيح فيها المسلم وماله وعرضه وأمنه تحت غطاء كومة من الأدلة التي تمهد للداعشيين، كما مهدت للقاعديين من قبل، طرق الإرهاب والدمار.

وإذا أردنا فعلا أن نبني منهج الوسطية ونقتلع ما عداه من مناهج بلغت بنا كل مبلغ سيئ، فلنبدأ بمراجعة مناهجنا الدراسية لنفحصها روحا ونصا، ثم نقرر إن كان بعضها قابلا للتماهي مع الفكر الوسطي، أم أنه يحتاج تشذيبا أو تغييرا أو إلغاء بالكامل. ومن المفترض ألا نتردد أو نستحي من ذلك أو نكابر عليه، فالمراجعات تشترط لها الجرأة ويشترط لها تسمية الأسماء بأسمائها.

ومثلما نفعل مع المناهج الدراسية، نفعل مع بعض الوعاظ الذين لم يكفوا عن استنبات بذور التطرف في رؤوس المراهقين والشباب الصغار. هؤلاء يجب أن نقفل مدارسهم وحلقاتهم ونمنع كتبهم ونفضحهم على الملأ، باعتبارهم من مهددات السلامة الاجتماعية والأمن الوطني.

ثم بعد ذلك نأتي إلى وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية ونمكن ذوي الأفكار الوسطية والمستنيرة منها؛ لكي يمكن شيئا فشيئا تغيير (القوالب المختطفة أو المغيبة)، فالناس لعقود طويلة لم تكن تسمع إلا فكرا واحدا ولا ترى إلا لونا واحدا، أي أنها أصيبت بحالة ركود فكري لا يمكن تفكيكه إلا بإلقاء أحجار جديدة تحرك الماء وتعيد دفقه في اتجاهات جديدة إيجابية وبناءة.

وما أقترحه لجعل ما سبق وغيره من الأفكار واقعا يبنى عليه، أن يصار إلى تشكيل هيئة وطنية تضم نخبة من المشايخ الوسطيين والكتاب والمفكرين والمثقفين والإعلاميين تدرس إشكالات التطرف والإرهاب التي تورطنا فيها، وتضع منهجا حقيقيا للتخلص منها على المدى الزمني القريب والبعيد، من غير أن ننسى أن هذه الهيئة لا تستثني أي مذهب وأي مشرب.

محمد العصيمي
عكاظ