شعوب دول العالم الأول قبل أن تدخل مرحلة الازدهار عانت من ويلات الحروب واستنزفت منها مقدراتها المادية والبشرية، وحين ذاقت حلاوة الاستقرار والسلم أخذت على عاتقها ألا تعود للحرب بل ولا أن تقترب أو تمارس ما يدعوها لفقد استقرارها وانتكاسها في حروب لا منتصر فيها، حتى الشرر الذي يمكن أن ينطفئ بقليل من الهواء لم تمكنه من التطاير والانتشار فسنت لذلك القوانين والتشريعات الشاملة في تفصيلها والحادة في تطبيقها.
وأهم عامل مؤثر في إشعال الحرب هو وقوع الفتنة والفرقة بين أفراد المجتمع الواحد ذلك لأن الفتنة أشد من القتل في التأثير الجماعي واستمرار الأثر وتعديه كما أخبر بذلك كتاب الله الكريم وأحاديث الصادق الأمين محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام، والفتنة والفرقة لا تأتي بوجهها القبيح لتخبر عن نفسها بل تأتي بأساليب يدركها من يدعو إليها ويريدها فتارة تكون على سبيل النكتة وأخرى على سبيل المزاح والمداعبة وتارة ثالثة تأتي بتأجيج الإثارة والحقد والكراهية ومحاكاة النفس الإمارة بالسوء، وفي صورها الحديثة تظهر في تصنيف أفراد المجتمع وتقسيمه في الفكر والشكل والمنطقة والقبلية وكل أصناف التقسيم الحديثة والقديمة ليكون جاهزاً لقدح شرارة النار التي تقضي على الأخضر واليابس.
لقد أدرك العالم الأول أن صراعات القوى فيه لابد ان تكون بعيدة عن أرضه وظل سمائه أياً كان موقع الصراع وأياً كان الظلم والضحايا الأبرياء لا يهم، مايهم هذا العالم المتكبر أن تتحقق مصالحه وأهدافه الاستعمارية، وقدرنا في مجتمعنا أن نكون إحدى ساحات الصراع والعدوان والإرهاب ونرى بين الفينة والأخرى تأجج الفتنة وتبني الانقسام الاجتماعي ليسهل اختراقه والتوغل فيه واستخدامه وقوداً لصراع المصالح، والمصيبة أن البعض من أفراد مجتمعنا أخذ الطعم وجعل يستخدمه بين أقرانه ودوائره مستخدماً بذلك وسائل التواصل التي يشك أنها إحدى عوامل الهدم التي وظفت لهذه الأغراض الدنيئة أوجدتها المدنية لتعكر صفوها بدلاً من أن تكون وسائل نفع ومعرفة.
إن مجتمعنا والذي استشرى فيه وباء التصنيفات التي لم ندرك خطرها وما تؤول إليه من حرب مدمرة وفرقة مهلكة وسط سكوت أهل الرأي والتأثير الاجتماعي والغيورين على وطنهم ودينهم حتى تأثر بذلك من يعول عليهم في النصح والإرشاد، لذا أصبحت حماية المجتمع فرض عين لا فرض كفاية وواجباً يقع على عاتق كل فرد بما يستطيع من التناصح والتواصي بالحق والعمل على عدم تداول هذه التصنيفات في المجالس ووسائل الاتصال.
وهذا الدور الاجتماعي لا يحتاج إلى توصية أو إقناع وإنما يحتاج إلى تذكير واستحضار والله الحافظ والمستعان.
د. محمد عبدالعزيز السليمان
جريدة الرياض