كل عام وأنتم بخير، جعله الله عام خير وبركة على الأمة، وأبدل أحوالها إلى الأحسن، وما ذلك على الله ببعيد. لست بصدد استعراض أحداث عام مضت، ولا توقعات عام آتٍ، ولا للتذكير بمعنى الهجرة النبوية الشريفة، فجميعنا يعرفها، وليتني واعظ أو خطيب جمعة قادر على بث تلك الروح الوثابة للنبي ــ عليه الصلاة والسلام ــ المحفوفة بالتوجيه الإلهي حين هم بالهجرة وأخذ بأسبابها.
لو أخذنا هذا المعنى فقط، الأخذ بالأسباب، لقصة الهجرة من ضمن مراميها الكثيرة لاقتربنا أكثر من فهم ما يجري حولنا أو علينا، هل كان الرسول ــ عليه الصلاة والسلام ــ بحاجة لخداع من تآمر على قتله تلك الليلة، هل كان بحاجة لسلك طريق الجنوب أولا والاختباء بغار ثور، كان الله ــ سبحانه ــ قادرا على نصره حيث يكون دون هجرة، كان من الممكن أن يطير به جبرائيل إلى المدينة، لكنه التوجيه الرباني بالأخذ بالأسباب وتفعيل السنن الكونية لرب الكون ــ سبحانه. كنا خير أمة أخرجت للناس عندما سدنا العالم بقيم ديننا وفكرنا وليس بسيوفنا، وجميعكم يعرف قصة فتح سمرقند، كيف صار يبت الأمر بغير وجودنا، كيف تتكرر علينا حوادث التاريخ المؤلمة، كيف تتكرر داحس والغبراء وممالك الأندلس، كيف انتهينا شيعا وأحزابا حتى طبق علينا سايكس بيكو الأول فصرنا دولا، والثاني رهن التنفيذ لنصبح دويلات؟ كيف تنازلنا عن حضارتنا ولم نعد لحمايتها ما نستطيع من قوة ومن رباط الخيل، كيف تم تفكيكنا من أمة إلى شعوب؟ بكل ابتسار ممكن، حدث كل ذلك وما زال يتكرر؛ لأننا لم نأخذ بالأسباب.
بظني المتواضع، السبب ليس سياسيا، بل فكري بالمقام الأول، للسياسة أسبابها ومسبباتها ودهاليزها بالطبع، لكن خبروني ــ قبلا ــ كيف هو فكرنا المشكل الأول لحدود وجودنا؟ كيف انتهى إسلامنا السمح المستوعب لكل الاجتهادات والاختلافات المذهبية إلى فرقة واحدة تدعي النجاة وتقصي الآخرين، كيف تفاقم الاختلاف إلى خلاف حمل فيه السيف والمدفع؟ الأخذ بالأسباب يتطلب قراءة التاريخ وعدم تكرار الأخطاء، الأخذ بالأسباب يقول إن الاتحاد قوة والتشرذم ضعف، ويقول أيضا إن تلاحم جبهتنا الداخلية أهم من أي اختلاف أو خلاف. هل «إسلام بلا مذاهب» أصبح هو الحل؟ ربما، لكن قبل ذلك يجب أن نؤمن جميعا أن هذا الوطن يسع الجميع.
عبد المحسن هلال
عكاظ