ثمة تعاريف سائدة للبيروقراطية على ألسنة الناس ومعظمها تعاريف بيروقراطية تسعى للتقليل من دورها مع تغليفها بحسن النوايا أحيانا، لكن أجمل تعريف قرأته لها بأنها الآلة الضخمة التي يحركها الأقزام !!
وهذه حقيقة فهي آلة ضخمة ومستودع كبير لمصالح الناس يتحكم في دورانها هؤلاء الأقزام، ولكن تحت نظر ورضا الكبار، وكلما ارتفعت درجة القزمية كلما عوضها بموجة من جرعات البيروقراطية التي يظن بأنها ترفع من درجة قزميته. التعريف النمطي الوطني للبيروقراطية تعريف مضلل وغير محايد فهو يسعى للتقليل من مغزاها وأهدافها وآثارها بل ويصورها بأنها فعل فردي مردها ثقافة المجتمع، كما يسعى إلى تجريدها من النوايا المسبقة وهذا للأسف غير صحيح.
فالبيروقراطية لا تكترث بالإنجاز أو خدمة الأهداف التي جاءت من أجلها المؤسسة، لأن أكبر هم العاملين فيها هو البحث عن الذات وحماية المصالح الخاصة والامتيازات الكبرى والرضا بالناتج الهلامي للمؤسسة !!
لكن أخطر ما في هذه البيروقراطية المسبقة التصنيع هو خلطها مع مكونات الفساد والسرقة والتفرد بالسلطة لتكون غطاء للحصول على كل هذه المصالح والامتيازات، وبالتالي يشار إلى ذلك زوراً وبهتاناً بالبيروقراطية. الدكتور أسامة عبدالرحمن -رحمه الله- أشار وفي كتابه الموسوم بـ «البيروقراطية النفطية» أشار إلى أنه بالبيروقراطية تجتمع كل صفات المنافق إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان، وقد فسر ذلك وأسنده بأدلة وصنوف من التطبيقات المعاصرة لهذه البيروقراطية.
مثل هذه البيروقراطية مع ما تحمله في جوفها من خسائر فادحة للوطن مباشرة وغير مباشرة ميدان كبير لخطبائنا وواعظينا الذين يعتقدون بأن دورهم يتجاوز مناقشة الجوانب الدينية ويتعداه إلى التنظير في الحياة العامة، فلماذا يتخطون هذه المسائل الكبرى إلى مسائل صغرى لا تنفع الناس وتصلح أحوالهم.
البيروقراطية المجردة والبريئة وإن كانت تعني تأخير معاملة أو التمسك بحذافير التعليمات، إلا أنها فيروس قاتل للعمل والإنتاج حتى وإن جاءت في إطار هذا المعنى الضيق للكلمة، لكن بيروقراطيتنا (غير) فهي بيروقراطية مقنعة وصاحبة امتيازات، وبالتالي فان إزالتها يعني إزالة كل هذه الامتيازات الكبرى.
عيسى الحليان
عكاظ