لا يجوز لمؤمن أن يقطع رحمه

لا يجوز لمؤمن أن يقطع رحمه

الأخ (هـ. م) يسأل: "عندي أقارب مفسدون، لا يعرفون طاعة الرحمن، فلا يقيمون الصلاة ولا يؤتون الزكاة، ولا يلتزمون باللباس الشرعي، فهل يجوز لي مقاطعتهم وعدم زيارتهم، فإنني أخاف على نفسي من الوقوع فيما حرم الله، وأخشى أن تسوء سمعتي بعلاقتي معهم حتى لو لم أقع في محظور"؟!

الخلاصة
لا يجوز لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقطع رحمه.

صلة الأرحام
حث الإسلام في مصدريه، الكتاب والسنة، على صلة الرحم، وهي العلاقات المتينة داخل الأسرة الواحدة، وأبناء العمومة ومن في حكمهم من الأنسباء والأقارب، وما زال علماء المسلمين يوصون بذلك، لاعتبارات شرعية وأخرى اجتماعية، فالمجتمع مكون من أفراد تجمعهم روابط شتى في مقدمتها علاقة النسب والقرابة الرحمية. وعائلات وأسر وعشائر متقاربة، يعني نسيجاً اجتماعياً متيناً، وهو ما نحتاجه اليوم أكثر من أي يوم مضى.
وقد شرع الله تعالى بعض الواجبات الدينية والالتزامات والآداب الاجتماعية لتحقيق ذلك، كالإرث، والوقف الذُري، والعاقلة (المساهمة في دفع الدية).
وفي الكتاب الكريم تحذير من القطيعة: {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم* أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم} [محمد/23-22].
ومن الأحاديث النبوية الشريفة الواردة في الوصية بالرحم وأثر ذلك على الإنسان في الدنيا والآخرة ما رواه الترمذي وأبو داود وأحمد عن عبد الرحمن بن عوف (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: "قال الله تبارك وتعالى: أنا الله وأنا الرحمن، خلقت الرَّحِم، وشققت لها من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها بتَتُّه"، وفي صحيح البخاري: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه"، وفيه أيضاً: "من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه"، وفي الترمذي أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) قال: "تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبة في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأثر"، وعن أبي يعلى: "أحب الأعمال إلى الله إيمان بالله ثم صلة الرحم". وعند أحمد وابن ماجة: "يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام".
وبالمقابل هناك آثار تبين حرمة قطيعة الرحم وأنها من الذنوب الكبيرة، ففي البخاري عنه (صلى الله عليه وسلم): "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم"، وفي البخاري كذلك من حديث جبير بن مطعم أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "لا يدخل الجنة قاطع"، وكان الصحابي الجليل ابن مسعود (رضي الله عنه) جالساً يوماً بعد الصبح في المسجد فقال: "أنشد الله قاطع الرحم لما قام عنا، فإنا نريد أن ندعو ربنا، وإن أبواب السماء مرتجة -أي مغلقة- دون قاطع الرحم".

ولكم في رسول الله أسوة حسنة
أذكر يا أخي السائل كيف كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يتلطف مع قريش وهم أبناء عمومته وعشيرته، وكانوا على الكفر، وهو أشد من معصية المؤمن، لأن المؤمن العاصي يملك من أسباب العودة إلى رشده ما لا يملكه الكافر المعاند، واذكر أساليب النبي (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه (رضي الله عنهم) في إيصال كلمة الحق إلى هؤلاء الذين جعلوا أصابعهم في آذانهم واستكبروا استكباراً.
إن مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا تترك لنا أية حجة في مخالفة الشرع وتبرير القطيعة، بل تحثنا وتدفعنا إلى استلهام ما فعله السلف في التواصل حتى استخلاص العاصي من مخالب الشر وأهله.

من خاف على نفسه وسمعته
أما قولك بالخوف في الوقوع بالمعصية، فلا تزرهم منفرداً، واصحب معك من أهلك من تثق بدينه ونصيحته، ولا تطل المكوث إن كانت المشكلة في المكوث، وإنما المطلوب التواصل بالمقدار الذي يحقق أوامر الشرع ومقاصده. وهناك مناسبات اجتماعية كثيرة كالتهنئة بالعيد، والتعزية عند الوفاة، وعيادة المريض، وغيرها مما لا يتطلب مكثاً كثيراً ولا انفراداً مؤدياً إلى ما تخاف منه.
والقطيعة لا تكون إلا إذا تيقن صاحبها بالإصلاح وأنها ستؤثر في نفس المقاطَع فتعيده إلى الصواب عندما يجد نفسه وحيداً غريباً في مجتمعه، وإلا كانت القطيعة إحدى أبواب الشيطان ليستفرد بهؤلاء الذين يتلاعب بهم بوساوسه.
وبالله عليك، كيف يصل الخير إلى من تقطعه وأنت بعيد عنه في وعظك، وتصرفاتك، وإحسانك، وإذا يئست من الكبار فما ذنب الصغار؟ وفي البخاري عنه (صلى الله عليه وسلم): "ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها"، أي أن الذي يقطعه أهله فيصلهم هو الواصل حقاً. وفي صحيح مسلم أن رجلاً قال لرسول الله (صلى الله عليه وسلم): إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فأمره (صلى الله عليه وسلم) أن يبقى على صلتهم ولا يقطعهم.
ولا يكون الإصلاح إلا بمواجهة الإفساد.

فائدة
من السنن الحسنة التي أحياها أهلنا في صيدا إقامة الروابط العائلية التي تسعى إلى صلة الرحم والتعاون على البر والتقوى، ورعاية اليتامى، وحفظ الحقوق، وإعانة الضعيف والمحتاج، والنصيحة والإرشاد، وكل هذه الأمور من المقاصد الشرعية المذكورة بوفرة في الكتاب والسنة وأقوال العلماء، شرط الابتعاد عن عصبية الجاهلية، فالإسلام حافظ على الأسرة والروابط الأسرية ونهى عن العصبية الجاهلية مهما كان حجمها أو نوعها أو مسماها.

والله تعالى أعلم وأحكم

وكتبه د. صلاح الدين سليم أرقه دان

جزاك الله كل خير وبارك بك اختاه

لطرحك المفيد ونصحك القيم

جعله الله في موازين حسناتك


لك كل التقدير

اللهم آمين

شكرا لك أخي الكريم

جزاك الله خيرا على هذا المرور والتشجيع

تقديري