أكثر من نصف قرن، ونحن نعاني توليد الصراعات والحروب والتخلف، وحتى الذين حملوا رايات ما يسمى بالبدايات للنهضة العربية، وحلموا بالتواصل مع الحضارة الأوربية، وقفت مشاريعهم عندما أعلن العسكر أول (مارس) في الفجر الانقلاب الأول لنعود إلى نقطة الصفر في كل مشاريعنا وتطلعاتنا، وأهدافنا التي ماتت مع أول طلقة على نظام يستبدل بآخر، ولتموت بدايات نشأة الأحزاب وطفولة الفكر الديموقراطي التي حاولنا فيها محاكاة دول الاستعمار، باستقلال الفكر والقضاء والفصل بين السلطات؟.
في مشروعنا القومي عن الحرية والوحدة والتنمية لا نجد ظلاً منذ خمسين عاماً نستطيع أن نصفه نموذجاً متوازناً يلبي بعض طموحاتنا، حيث لا نرى على مستوى أي دولة خطة اجتماعية تقيس عدد المواليد، ومتخرجي الجامعات والمدارس ونسبة الزيادة للفاقد البشري بسبب الأمراض والحروب، وكم يدخل سوق العمل من طاقات، وكيف نرسم جدول الانتاج إلى المستورد، وكم خطونا نحو ميادين الزراعة والتصنيع والبحث العلمي، وما الوسائد التي نتكئ عليها في أمننا الوطني والقومي، وعن ماذا نفكر بمنجز الخمس، والعشر سنوات ضمن دوائر الأحصاء، والتطلعات التي ترسم الأهداف الدنيا والعليا كأي دولة تضع مستقبلها رهن قوائم أولية وثانوية وبعيدة المدى؟.
وهل المرأة عورة في العمل وميادين نشاطها، لا كربّة بيت تقليدية وإنما نصف المجتمع الذي يقود التنمية ويساهم في ثقافة، الطفل والوعي العام الصحي والاجتماعي ويبني مداخيل الأسرة التي تتوفر لها الثقافة والوعي والبناء الحضاري مثل أي مجتمع صغير يبني وحدة المجتمع الأكبر؟.
ثم هل ما حملناه، ونحمله الآن من معارف بدائية قياساً للعالم المتقدم عندما نرى الأعداد الكبيرة التي تدفع بها الجامعات كأنصاف أميين، نستطيع أن نشكل منهم طاقات العمل في الميادين المختلفة لخططنا لنقيس الفرد ليس بأرومته وشكله، وما يحفظه من أشعار نبطية، وتاريخ للأسرة كفصيل وحيد يرقى على الأعراق الأخرى، وإنما بقيمة العطاء عندما يضيف لنا أرقاماً في الفكر والهندسة والكيمياء والطب، وعلوم الحاسب والفضاء، وكل ما يحقق مفهوم تنمية الإنسان كطاقة غير ناضبة، ولا واقفة؟
عندما نتحدث عن الآمال والآلام نشهد كبرياء زائفة طالما محددات سلوكنا تذهب الى الكوابح، وليس لتوظيف الطاقات وتفجيرها، وعندما نرى العامل الفلبيني او الهندي، كم ساعة يمضيها بالعمل وليس التهريج والتنظير قياساً الى عطائه، لا نجد من يمثلنا بهذه الميزة، لا عربياً ولا إسلامياً، وهم بالقياس للكوريين والألمان، واليابانيين يقعون في السلم الرابع، وعندما نصنف أنفسنا معهم، نجد أن كل أعدادنا تذهب الى الناقص لأن الزائد لا يدخل جدول حساباتنا، وكان صحيحاً تسميتنا ب "الظاهرة الصوتية" لأننا نحرك ألسنتنا بوقت أكثر مما نشغل أدمغتنا.
بقلم يوسف الكويليت