الرئيس بوش لا يستطيع أن يكون الرأي المنفرد بالانتصار بالعراق، ثم يناقض نفسه معتبراً الحرب شبيهة بفيتنام، ولعل اجتماعه إلى مستشاريه وأركان حربه، وجميع القوى التي حركت الحرب يؤكد أن المأزق كبير جداً، ويحتاج إلى قرارات متقدمة، إن لم تكن مصيرية وشجاعة..
لو أخذنا بالاعتبار تورط فرنسا بالجزائر وفيتنام، وكيف انتصرت الواقعية على الهياج واستطاع الرئيس (شارل ديغول) بحسه التاريخي وتجاربه السياسية والعسكرية أن ينقذ بلده من مغامرات قد تحول الدولة العظمى آنذاك، إلى دولة من العالم الثالث، لأن استنزاف الحروب المادية والبشرية أحد محفزات ردود الفعل الداخلية الضاغطة، لما أقدم على تلك الإجراءات الحاسمة..
في أمريكا هناك رقم فلكي في الدخل الاقتصادي وقوة عسكرية مرهوبة، وشعب ترك مهمة إعلان قرارات الحروب للدولة معتقداً أنها تقوم بالنيابة عنه، في حمايته من مخاطر الاتحاد السوفياتي، قديماً والآن مكافحة الإرهاب، والدول المتهمة بأنها جزء من خطوط الحرب بدعمها للإرهابيين، غير أن التصديق بأمور سياسية، يختلف عن النتائج حين تصبح التوابيت للقتلى، مشهداً يومياً معتاداً لأبناء الشعب الأمريكي، ثم يبدأ كشف مسلسل الحقائق من خلال من يصنعون الرأي ويؤثرون فيه من الكتاب والصحافيين والذين أصبح نقلهم للمعارك من وسط العراق وأفغانستان يشكل هاجساً مرعباً لكل الأمريكان.
لقد تعاقب على حكم العراق (جي غارنر) ثم (بريمر) من الأمريكان، ومن العراقيين إياد علاوي، والجعفري، وأخيراً نوري المالكي، وكل هذه العناصر لم تختصر أزمة العراق بتوفير الأمن، بل ظلت الحالات المتتابعة تشهد تطوراً بالعنف أكثر من الأيام الأولى، وهذا يؤكد بدلالة واضحة، فشل تلك الحكومات وإدارتها، ولعل المالكي الضحية القادمة بالرحيل تحت الضغط الأمريكي، لكن هل هذا سيداوي (ليلى المريضة بالعراق)؟..
المسألة معقدة، وحتى الإشارات بإشراك إيران وسوريا في شؤون العراق، والتحاور مع فصائل البعثيين، والمقاومين الإسلاميين من الشيعة والسنة، فالموضوع أكثر خطورة، لأن الأخطاء السياسية فاقت العمل العسكري، ومثل هذا الجهل بحالة العراق الداخلية، والتصور أن المنقذ الأمريكي سوف يقابل بالأعلام البيضاء، والزهور، لا يعتبر خطأً تكتيكياً، بل جهلاً فاضحاً باستراتيجيات أمريكا لمناطق عالمية تتعامل معها بحس التعالي، واعتبار القوة مصدراً لتغيير الحكومات، والتلاعب بخرائط العالم، وتقسيمها وفق مصادر معلومات غير مستوفية الشروط بطبيعة حياة الشعوب وعلاقاتها مع المحتل..
لنفترض أن أمريكا أقامت تصورها بغزو العراق على الهيمنة على نفط المنطقة، بسلسلة إجراءات عديدة، وأنها بهذا الفعل تريد تحقيق حماية أمن إسرائيل، وتعزيز التحالف معها، فهل من المنطقي لدولة بهذا الحجم أن تبني قراراتها على حالات ضبابية، لتنقلب النتائج عليها إلى هزائم، وارتداد عالمي عام عن الثقة بخطواتها، أو نوازعها السياسية والعسكرية، ويكون مشهد العراق وأفغانستان قاصمة الظهر لأي توجه أمريكي في المستقبل القريب؟..
منقول