فصل الكلام فى حقد اللئام على المعصوم عليه الصلاة السلام
ليس مستغرباً أن يبقى حقد الكافرين حتى بعد مضى أكثر من أربعة عشر قرنٍ من الزمان وقد إنتقل صلى الله عليه وسلم إلى جوار رب العزة سبحانه وتعالى. والمتأمل فى ما يحدث الأن بقلب المؤمن بالله والموّحد يجد أن الأمة التى تتقاتل فيما بينها هى أمة رسول الله وأنها أضعف الأمم خاصة العرب من الناحية التكنولوجية والعسكرية حتى مدننا الأن هى أقل جمالا بين مدن العالم خاصة الغربى منها. ولا تملك هذه الأمة من مقومات الغنى سوف النفط فى بعض أمصارها والذى يأخذونه دون ممانعة منا. والمعروف أن أقطار الأمة الإسلامية هى الأكثر إحتلالاً ولم يبقى العرب (المسلمين الفاتحين) فى بلاد دخلوها للدعوة لدين الله، وإن إعتبر الغرب أن الأندلس كان محتلاً فقد خرج العرب منه وليس هناك مدعاة للكره إذا زال السبب. ولقد إحتل الروم والفرس بلاد كثيرة ثم رحلوا ورحلت الكراهية معهم وكذلك فرنسا وبريطانيا بل أصبحت علاقاتهم بالدول التى احتلوها جيدة وهناك دول ناطقة بالفرنسية وأخرى بالإنجليزية ومع ذلك ليس هناك كره رغم مسخ المحتلين لثقافة الأخر.
والسؤال المُلِح الأن ما سبب الكره الحاقد لمحمد صلى الله عليه وسلم وعلى أمته؟
طبعاً كل المسلمين يعتبرونه حقداَ على الدين ولكن هنا أتوقف وأتسائل الم يقف اليهود فى وجه المسيح عيسى بن مريم عليه السلام وأرادوا قتله وذموا أمه العذراء عليها السلام وليومنا هذا واليهود على حالهم ومع ذلك حتى وإن كان فى النفس شئ إلا أن هناك توافق فيما بين الغرب واليهود وأمريكا تدافع عن اليهود أكثر من الأمريكان.
ولمعرفة سر هذا الحقد لابد أن نعرف الذى غفلنا عنه ويعرفه غيرنا بل ويراه بالعين فيزداد كرها لنا وحقداً يوما بعد يوم.
لقد سئلت يوما ما واحداً هداه الله للإسلام سؤالاً فقلت له كيف كنت ترى المسلمين قبل إسلامك ؟
لقد كانت إجابته بالحرف الواحد والتى ابكتنى بكاءً شديداً على تقصيرى وعدم معرفتى بنعمة الله علينا. لقد قال لى لو تعرفون كيف منظركم من بعيد لسجدتم لله إلى يوم القيامة شكراً، لقد منّ الله عليكم بوقارٍ كبيرٍ ويعتليكم نور يحسدكم عليه الناظر إليكم. سئلته ونحن بهذا الحال والسوء فأجبنى والله العظيم وأنتم هكذا فبكيت فكم أنت رحيم يا الله بأمة حبيبك.
طبعاً هذه الصورة التى يرانا بها الناظر إلينا تذكره بمحمد صلى الله عليه وسلم ومن ثم يصب حقده على النبى ولكن هذا قدر الأنبياء.
ولكن من قبل حتى الرسومات والتفاهات الغربية فالحقد موجود منذ ظهور الإسلام وسيبقى حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
ســبب هذا الحقد:
ولكى نعرف سبب الحقد لابد أن ننتقل إلى الملأ الأعلى مع الآيات الكريمة من سورة البقرة (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33)) فالآيات يحكى فيها ربنا لنبينا قصة شديدة الخصوصية للنبى ولأمته من بعده.
وقد تكرر نفس الخطاب فى سورة الحجر (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31)) وكذلك فى سورة ص (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74) ) وتكرار خطاب قال ربك للملائكة هو توكيد لأهمية الحدث وتأكيد أن هذه القضية هى أهم القضايا التى تخص كل الخلائق أجمعين الملائكة ، الجن ، الإنس وكذلك السموات والأرض كما ورد فى سورة الأحزاب (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) ).
إذا القضية جد مهمة وفى غاية الأهمية فهى مرتبطة بمن ينال شرف أن يكون خليفة لله، تخيل أيها القارئ لو ولى الأمر فى بلدك اختارك ولى للعهد أو نائب له وذلك دون سابق إنذار كيف يكون شعورك؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
فما بالكم إذا كانت القضية هى أن تكون خليفة الله فى الأرض؟
نعود الى المشهد فى سورة البقرة فيقول ربنا للنبى وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ليقص له الحوار الذى دار ويحكى له عن رد فعل الملائكة وكذلك إبليس اللعين.
ماذا قالت الملائكة، قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ وقد قال المفسرون أن الله قص على الملائكة عن الإنسان وما سوف يكون منه من مخالفة وإفساد وسفك دماء وقال البعض إن الملائكة أستشهدوا بما فعلت الجن فى الأرض.
على أى حال فإن الملائكة قالت لرب العزة أتجعل ياربنا هذا المخلوق الإنسان الذى سوف يفعل الأفاعيل ونحن الذين نسبح بحمدك ونقدس لك. وهنا يمكنى القول أن الملائكة أرادت شرف الخلافة وكانت حجتهم أنهم يسبحون بحمد الله ربنا ويقدسون له، أى أن الملائكة لم تعترض بل طلبت بأدب الخلافة لنفسها لقدرهم ومداومتهم التسبيح والتقديس لله. ولم يتكلم إبليس بل ألجمه الحقد والحسد على الإنسان من أن ينفس عما يدور فى نفسه وقد أضمر العصيان وإنتهت القضية بالنسبة له.
فماذا كان رد ربنا على الملائكة قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ. ثم علم الله آدم الأسماء كلها فماهى الأسماء التى علمها الله لآدم؟
قال المفسرون إن الأسماء هى أسماء الأشياء ولكن يقفز فى رأسى سؤال فقد ورد فى خلقة آدم أن الله أرسل ملائكته إلى الأرض ليجمعوا من آديمها من كل لون وقد أستجارت الأرض وعادت الملائكة إلا ملك الموت فقد جمع ما أمره الله به والسؤال كيف أمر الله الملائكة بأن يأتوا بأديم الأرض هل قال ربنا إذهبوا دون يحدد لهم الوجهة وقال لهم إجمعوا دون أن يسمى لهم ما يجمعون؟
إذا إحتمالية أن تكون الأسماء هى متعلقة بالأشياء مثل الحجر والشجر مستبعدة من وجهة نظرى لأنه ثابت أن النبى صلى الله عليه وسلم لما عاد من الطائف جاءه ملك الجبال فهل هذا الملك الموكل بالجبال لا يعرف إسم الجبال؟
أما بالنسبة لإبليس فهو من الجن والجن كما نعلم عمروا الأرض قبل الإنسان وتعرفوا عليها فمن المستبعد أيضا أن يكونون لا يعرفون أسماء هذه المعطيات ومن التعجيز أن يسأل الله الملائكة عن أشياء لم يرونها من قبل وهذا لقول البعض أن الله عرّف آدم كل الأسماء مثل الكهرباء وسفن الفضاء فهذا الأشياء لم تكون موجودة فى ذلك الوقت.
إذا يمكننى القول أن الملائكة والجن كانت تعرف الأشياء لأن الملاكة تطوف فى كون الله والجن إستعمرت الأرض وتعرفها.
نعود لموقف الملائكة وأقول كما فهمت من آيات البقرة فى هذا الصدد بأن الملائكة إحتجت بعبادتها لله وقدرها. ولما كانت سنة الله فى خلقه إذا أرسل لهم رسول بأن يحاججهم بما هم بارعون فيه وليس بشئ لا يعرفونه فكانت عصى موسى عليه السلام لقوم فرعون وكانوا بارعين فى السحر وجاء نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم بالقرآن للعرب وهم أهل بيان.
ولما احتجت الملائكة بقربها بالعبادة لله فكان لابد من أن تكون هناك محاجّة بنفس ما إحتجت به الملائكة وهو مقام القرب من الله. تعالوا ننتقل الى سورة الأعراف ونقرأ هذه الأية وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172). وقد ورد فى التفاسير أن الله أخذ من آدم من ظهره كل ذريته وأشهدهم على أنفسهم وفى هذه الأثناء تعرّف آدم على كل ذريته وسئل عنهم (هذه هى الأسماء) وهنا تعرف على محمد صلى الله عليه وسلم وعرف الحقيقة التى بها اقتنعت الملائكة وسجدت لآدم. وكانت نهاية المناظرة مابين الملائكة وآدم عرض الله بنى آدم فى عالم الذر على الملائكة وقال أنبئونى بأسمائهم فقالوا لا علم لنا فأمر أدم أن ينبئهم فذكر لهم أسماء كل بنى آدم ولما جاء عند ذكر المعصوم كان اللحظة الفارقة يا ملائكة الله أين حدود القرب عندكم قالوا عند سدرة المنتهى ومن يتقدم أكثر من ذلك يحترق (راجعوا رحلة الإسراء والمعراج) وهنا عرفوا الحقيقة وهى أن محمداً صلى الله عليه وسلم يخترق حدودهم قرباً إلى مولانا العظيم فمن إذا الأكثر قربا إلى الله؟ ومن الأولى بلإستخلاف؟
هنا سجدت الملائكة وعصى اللعين ونزل الإنسان للأرض وكان يحمل شرف الإستخلاف على الأرض الرسل والمؤمنون ولا يكون الإستخلاف لكافر والدليل أن كل الأقوام الذين سبقوا لما كفروا أخذهم الله بظلمهم وإستخلف قوماً غيرهم. ولا يكون لنبى أن ينكر أو لايبشر بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم، أى أن كل من سبق النبى من رسل وأنبياء هم حاملون للأمانة (الإستخلاف) لخليفة الله فى الأرض إلى يوم القيامة وهو النبى محمد صلى الله عليه وسلم لأنه لا نبى بعده حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
وبالطبع يحمل الرسالة من بعد النبى أمته وهى شرف والله عظيم وأستعجب أن المسلمون الأن قد غفلوا عن هذه الحقيقة وما قدروا هذا الشرف الكبير الذى تنازلوا عنه وهو سبب خروج إبليس اللعين من الجنة.
إن ما يحدث الأن هو حقد الشيطان وأوليائه من الجن والإنس ولجهل المسلمين بعظمة ما منّ عليهم الله به ولهتهم الدنيا وإنشغلوا بها فوصلوا إلى وصلوا إليه من وضع يبكى له كل أولى النُّهى.
فهل عرفتم سر الحقد إدعوا الله أن يهدينا أن نراجع أنفسنا ونعرف قدرنا العظيم الذى تخلينا عنه وأن يردنا إليه رداً جميلاً
وصلى اللهم على سيدى وحبيبى سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن إهتدى بهديه إلى يوم الدين
اللهم إن كنت أصبت فإغفر لى ولإمة حبيبى حباً فى حبيبى وحبيبك وإن كنت أخطئت فإغفر لى فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت
من أعجبه هذا القول فلينشره فى كل المنتديات
ولاتنسونا من الدعاء