مهلا جمال : هلا قلت الحقيقة !!
ا.د. محمد بن علي الهرفي - 12/2/2009
مهلا جمال : هلا قلت الحقيقة !!
ا.د. محمد بن علي الهرفي *
( لـُجينيات )
أحمل الكثير من الذكريات الطيبة لصحيفة "الوطن" التي كنت أنشر فيها مقالاتي لمدة ثماني سنوات تقريبا ، كما أحمل الكثير من الود لكل رؤساء تحريرها مهما اختلفت معهم في بعض التوجهات التي كانوا يحملونها ،والتي لم يعملوا على فرضها بالقوة على الكتاب ،وإنما كانت لديهم وسائل أخرى أكثر "ديمقراطية" لتحقيق ما يرونه ،وكنت أتمنى أن يكون السيد "جمال خاشقجي" مثل سابقيه لكنه آثر أن يكون متسامحا وأن يقود صحيفة "الوطن" وفق قانون التسامح الذي يؤمن به ، سواء أكان هذا القانون في ولايته الأولى أم ولايته الثانية..
لم أكن أود أن أتحدث عن تجربتي الأخيرة في "الوطن" والتي انتهت بتركي لها إلى"عكاظ" رغم كثرة العروض التي قُدِّمتْ لي بهذا الخصوص وقد آثرت الصمت وتجاوز تلك المرحلة بل ونسيانها ، لكن ما سمعته من السيد "جمال خاشقجي" في "إضاءات" العربية اضطرني إلى هجر الصمت وإيضاح بعض الحقائق التي تعمد إغفالها ـ وأنا أقول بعض وليس كل ـ ولو أنه فعل ما فعلت لتركته وشأنه لكنه أبى ذلك ..
السيد خاشقجي أكد لمحاوره أنه مسلم متسامح وقد حاز على هذا اللقب بعد أن ترك الإسلام المتشدد ووصف جميع كتاب "الوطن" بأنهم إسلاميون ما عدا واحدة وهي الدكتورة "أميمة الجلاهمة" فقد زاد لها في الكيل حتى "مطوعة" أو "متشددة" إذ الفرق بينهما في حسبانه ليس كبيرا ..
أما دوره في "الوطن" فهو دور الحارس الذي لا يسمح بمرور الأهداف في مرماه !! والأول مرة أسمع رئيس تحرير يصف عمله بهذا الوصف لكن لا غرابة في ذلك فالمضحكات في كلامه كثيرة لكن الذي يهمني أقلها !!.
وعندما سئل عن ابتعاد مجموعة من الكتاب عن الوطن ،وكان اسمي من بين هذه الأسماء أجاب ـ فيما يتعلق بي ـ بكلام لا يعرف الصدق من قريب ولا من بعيد ، وكنت أتمنى لو أنه فعل ذلك لأرضى ولأراح نفسه ،ولما اضطر إلى تلفيق أقوال ما كان يحسن أن يقولها أمام الناس ، ولكن خانه التوفيق ولا حول ولا قوة إلا بالله!!.
المبدأ الذي يؤمن به "جمال" هو التسامح ولست أدري عن أي نوع من التسامح يتحدث كما كنت أتمنى أن يقدم للناس مفهومه للتسامح الذي يؤمن به !! كل الذي قاله إنه بدأ يسمع الموسيقى بعد أن ترك الإسلام المتشدد ،وبطبيعة الحال لا أعتقد أن الموسيقى وحدها هي التي تفصل بين الإسلاميْن "المتشدد" و"المتسامح" فهناك فوارق أخرى كنت أتمنى لو ذكرها ولعله يفعل ذلك في مقال قريب لكي يستفيد "المتشددون" من "المتسامحين" وسيكون له الفضل في ذلك ..
إذن نحن ـ كما يقول ـ أمام أنواع ثلاثة من "الإسلام" أحدها متشدد ، والثاني متسامح ، والثالث : إسلام المطاوعة الذي ينطبق على "أميمة" حسب قوله ، وأعتقد أن "جمال" يستحق براءة اختراع لكونه غير مسبوق إلى هذا الإكتشاف ..
كُتَّاب "الوطن" كلهم إسلاميون كما قال، وأعتقد أن بعضهم لن يكون راضي عن هذا الوصف ، إلا إذا كان التسامح يستطيع أن يضم الجميع بين جنباته على الطريقة "الجمالية الحديثة" ولا أحب أن أذكر أسماء تسرح وتمرح في "الوطن" رغم تاريخها "الإسلامي التسامحي" ومن غير المعقول أن لا يعرفها "جمال" ، ولكن ... قاتل الله التسامح الذي لا يعرفه إلا "جمال" !!
ومن مواصفات التسامح الذي يطبقه "جمال" أنه يسمح لكل أطياف المجتمع أن يأخذوا طريقهم إلى "الوطن " ـ هكذا يقول ـ وأنه يسمح للرأي والرأي المضاد ، وأنه لا يفرض رؤيته على الآخرين ، وأنه ... الخ .. ولو كان ما يقوله حقاَّ لما فعل ما فعل مع الكثرين سواء ممن ذكرهم أم من غيرهم ....
طبيعة "جمال" المتسامحة جعلته يرفض مقالات لمجموعة من كبار المثقفين ـ أعرفهم وأظنه يعرفهم ـ لأنها كانت ردودا أو تعليقات على مقالات بعض كتاب "الوطن" ، وأعجب كيف قاده تسامحه لهذا الفعل!! قد يقول : انظروا إلى صفحة "نقاشات" وهي مليئة بالردود ، وهذا قولٌ صادق خاصة إذا طبقنا عليه صفات التسامح التي يعتقدها ، ولكن الكتاب الذين أعنيهم خارج نطاق التغطية التي يحتملها "جمال" المتسامح !!. فقد رفض مقالات للشيخ صالح الفوزان وهو من كبار العلماء ، ومثلها للدكتور سعد العتيبي وهو أستاذ في المعهد العالي للقضاء وغيرهم كثير ، ولعل سبب منعهم أنهم لا يسمعون الموسيقى!! .
أهذه هي الحرية الصحفية التي يتحدث عنها ؟!! أم إن هذا هو التسامح الذي ينادي به!!.
كم كنت أحب أن يقول الحقيقة عندما تحدث عنّي !! لو أنه فعل لأُعْجبت بصدقه ،ولكن كان "تسامحه" سبباً في تجاوزه للحقيقة ..
الذي اتفقت معه على العكس تماما مما قاله .. كنت لا أتفق معه على أسباب حجب بعض المقالات ، لأنه كان يحجبها لأسباب شخصية ؛ فهو يحب أفكار هذا الكاتب أو تلك الكاتبة ، وبالتالي لا يود أن أكتب ما يعكر صفو حبه لهما ، قد يكون له أسباب أخرى ـ شخصية أيضا ـ فكان يتخذ من حبه و"تسامحه" سببا لمنع مقالاتي ، ولأنني لم أكن مقتنعا بتلك الأسباب فقد كنت أصر نشرها في صحيفة أخرى ..
فعلت ذلك عندما منع مقالا ناقشت فيه مقالين لكاتب وكاتبة ، سمح فيه للكاتبة أن تكتب ما يخالف المتفق عليه من الإسلام ـ طبعا بسبب تسامحه ـ ولم يكن متسامحا معي فنشرت المقال في "عكاظ" يوم الخميس 22محرم 1429هـ .
بعد هذه الحادثة جرى نقاش طويل بيننا انتهى باتفاقنا على أن أنشر كل مقال يمنعه في أي موقع الكتروني أختاره .. ولست أدري هل نسي هذا الاتفاق أم تناساه!!.
ثم عاد جمال فحجب مقالا تحت عنوان : "الأمير نايف وقضايا المجتمع" كنت تحدثت فيه عن بعض القضايا المهمة التي طرحها سموه في جلسة خاصة في منزل الشيخ صالح السحيباني وشقيقه ، ويبدو أن التسامح الذي يتمتع به "جمال" حال بينه وبين نشر المقال لأن أفكار الأمير لم تنسجم مع أفكاره ـ هكذا أظن ـ .
نشرت المقال في صحيفة "عكاظ" يوم السبت 13 ربيع الآخر 1429هـ باعتباره أول مقال أنشره بعد اتفاقي معهم على الكتابة في "عكاظ" ، وفي يوم الاثنين 15 ربيع الآخر 1429هـ أفاجأُ بأن السيد "جمال" ينشر هذا المقال مرة أخرى رغم علمه بأنه منشور في صحيفة أخرى ، ولا أدري لماذا يفعل ذلك ؟؟ هل كان ينوي الإساءة ؟ أم هل كان يرسل رسالة غير مكتوبة لعلي أعود ؟؟ أقول : لست أدري وما كنت أحب في وقتها أن أثير هذه القضية باعتباري قد يممت جهة أخرى ، ولكنه ـ هداه الله ـ اضطرني لتذكر هذه القضية رغما عنيّ!!
وبعد هذا أتساءل : هل الذي يعرف أنني نشرت في "عكاظ" مقالا في 22محرم 1429هـ ، ثم آخر في 15ربيع الآخر 1429هـ يعيد هو نشره مرة أخرى رغم أنهما نشرا في صحيفة وليس في مواقع الكترونية يقول: إنه اتفق معي على عدم نشر مقالاتي التي يمنعها !! الحقيقة ـ كما قلت ـ كانت عكس ما قاله ولولا حرصي ـ آنذاك ـ على "الوطن" لما قبلت إلا بنشرها في صحف محلية وليس مواقع الكترونية ..
لا أعتقد أن السيد "جمال " نسي هذا كله ، وما كنت أحب له أن يتناساه ، وإذا كان حرصه على إظهار احترامه للتسامح هو الذي دفعه لهذا القول فهو مخطئ في هذا الاعتقاد .
الناس أذكياء ويتابعون ويعرفون ، والكل لا يحكم على مجرد أقوال شخص ـ مهما كان ـ بل على أفعاله..
كم كنت أتمنى أن يكون جمال متسامحا حقاًّ ، وكم كنت أتمنى أن تسود مجتمعنا كله روح التسامح الحقيقة ، ولكن ما أتمناه شيء والواقع شيء آخر ...
* أكاديمي وكاتب