القدر البركاني جبل في خيبر
المدينة المنورة: خالد الطويل
في الوقت الذي جعلت فيه هزات العيص عددا من الباحثين السعوديين في مجال الجيولوجيا وعلوم البراكين والزلازل يتصدرون المشهد العلمي المحلي لدينا حديثا دفعت تلك الهزات التي وقعت في منطقة العيص التاريخية التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالسيرة النبوية عددا من الباحثين المحليين في مجال التاريخ والآثار إلى مزاحمة تلك الآراء العلمية بآراء بحثية لا تقل زخما وجدلا عن آراء الجيولوجيين. وقد حملت بعض تلك الآراء قراءات تاريخية جديدة مخالفة للسائد في عدد من المصادر الشهيرة حول تحديد بعض المواقع التاريخية.
وبدا الاختلاف لدى أصحاب المنهج التاريخي واضحا -بحسب رصد الوطن- كما حدث لدى بعض الجيولوجيين في أطروحاتهم العلمية خصوصا في تفسير عدد من الظواهر الكونية. وفي الوقت الذي يرى فيه الباحث في معالم المدينة المنورة الدكتور تنيضب الفايدي أن آخر بركان انفجر في حرة خيبر التي تسمى بحرة "ليلى" شرق خيبر بـ70 كيلومترا عام 1800 م، والذي أحدث –بحسب وصفه- عددا من الفوهات الكبيرة جدا والتي سميت بالرأس الأبيض ما يسمى بـ"القدر" والذي يقع بجواره فوهة أصغر منه سميت بـ"القدير"، يرى الشنقيطي أن حرة ليلى تسمى الآن حرة اثنان وذلك لوجود جبل بركاني بهذا الاسم، وهي تلي حرة خيبر من جهة الشمال يفصل بينهما وادي المخيط. ومن أشهر بلداتها ضرغط ومدينة الشملي (جنفاء) وهي الموضع الذي واعد النبي صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن بعد فتح خيبر ليكون ميدان المعركة بينهما، فقال له "موعدكم جنفاء" فنكص عيينة وانقلب على عقبيه لما رأى هذا الرد الحازم منه صلى الله عليه وسلم.
ويرى الشنقيطي في دراسة له أن الحرار في الحجاز تشغل مساحة 90 ألف كيلومتراً مربعا تقريبا وتتكون من 15 حرة تتفاوت في المساحة من مئات إلى بضع عشرات الكيلومترات، وهي عبارة عن طفوح بركانية تشكلت خلال أحقاب جيولوجية مختلفة تتفاوت تفاوتا كبيرا بين 14 مليون
إلى 776 ألف سنة، وجميع هذه البراكين خامدة منذ ابتداء الدهر الحديث ماعدا ثلاثة منها سنذكرها في هذا السياق. ويخالف الشنقيطي في بحوثه عن حرار الحجاز ما يتردد على لسان بعض الجيولوجيين والمؤرخين –بحسب قوله- حين يطلقون اسم حرة رهط على الجزء الواقع جنوب المدينة المنورة من حرة بني سليم، حيث يرى الباحث في معالم المدينة المنورة التاريخية أنه بالرجوع إلى معاجم الأمكنة لم نجد أصلا لهذا الاسم، مشيرا إلى أن الباحث عاتق البلادي في معجمه: " معالم الحجاز" ذكر أنه لم يتبينه -أي هذا الاسم- لذا يرى الشنقيطي أنه ينبغي أن يطلق عليها اسمها التاريخي وهو حرة بني سليم أو الاسم المعروف للجزء من الحرة المراد الحديث عنها، وتحدث الباحث عن حرة "كشب" والتي تقع قرب قرية"المويه" وتشتهر بفوهة بركانية عجيبة-بحسب وصفة-تحدث الجيولوجيون أنها حدثت بسبب نيزك، وتسمى لدى العامة بـ"مقلع طمية" ويبلغ قطر فوهتها قرابة 300 متر.
وأشار الشنقيطي في حديثه لـ"الوطن" عن حرة العيص والتي تسمى حرة لونيير أو حرة الشاقة والتي تعتبر الحرة الأشهر والأكثر حضورا في أذهان الناس اليوم بسبب تركز هزات العيص المتوالية عليها والتي جعلتها محط وسائل الإعلام أنها حرة حديثة التكوين، انفجر بركانها في صدر القرن الرابع الهجري، وسجل ذلك الانفجار المؤرخ والجغرافي أبو عبد الله محمد بن أحمد المقدسي المعروف بالبشاري (توفى حوالي سنة 380 للهجرة) فقال: "وقعت نار بين المروة والحوراء فكان يقد كما يقد الفحم"، والمروة منزل على طريق الشام نزله النبي صلى الله عليه وسلم مرتين في عودته من غزوة خيبر ووادي القرى وفي مسيره إلى تبوك، وهذا الموضع يقع عند التقاء وادي الجزل مع وادي الحمض ويبعد عن العيص 60كم، أما الحوراء فهو موضع قريب من أملج الحالية .
ويرى الباحث إن هذا البركان هو الثاني الذي يسجله المؤرخون بعد بركان جبل القدر في حرة خيبر، والبركان الثالث والأخير هو بركان حرة ميطان قرب المدينة المنورة والذي وقع في عام 654هـ.
ويذهب الباحث إلى أن من أشهر معالم حرة النار أو حرة خيبر جبل الرأس الأبيض ومنه يبتدئ وادي الرمة العظيم، وجبل البيضاء وهي جبال بركانية بيضاء اللون وهذا يعتبر نادراً جدا في الحرات المعروف أنها فاحمة السواد. وهذا التباين في الألوان يعطيها منظرا أخاذا
و يجعل منها مكانا رائعا للنزهة والسياحة ويمتاز أيضا باعتدال هوائه . وبقرب الرأس الأبيض جبل القدر وهو فوهة بركانية اندفعت منها الحمم التي تعتبر حديثة النشأة، ويعتقد أنه هو المقصود في قصة خالد بن سنان العبسي الواردة في بعض الأحاديث والروايات التاريخية التي أشارت إلى أن هذا البركان قد انفجر قبل البعثة النبوية بقليل، كما أن بعض الباحثين يعتقدون أنه قد حدثت هزة قوية في حدود عام 1800 للميلاد أدت إلى انكسار سد وادي الغرس (سد البنت) وهو سد تاريخي عظيم يقع على وادي الغرس في وسط حرة خيبر يشبه في تصميمه وبنائه سد وادي الخنق الذي بني في خلافة معاوية بن أبي سفيان. ومن أشهر الحرار التي تذكرها المصادر التاريخية في الحجاز حرة البرك (برك الغماد) جنوب القنفذة وهي الحرة الوحيدة الملاصقة للبحر الأحمر وحرة بني هلال(حرة البقوم) وتقع شرق الطائف في محافظة تربة، وكذلك حرة بني سليم وهي أكبر الحرار مساحة ،إذ تبلغ 300 كم طولا و100 كم عرضا، وتبتدئ جنوبا من وادي مر الظهران (وادي فاطمة) حتى المدينة المنورة والصويدرة شمالا، ويعتبر البركان التاريخي الذي انفجر عام 654 للهجرة قرب المدينة المنورة جزءا منها ويسمي المكان الذي خرج منه البركان حرة ميطان، وهو آخر بركان ثار في الحجاز.
ومن الحرار الشهيرة حرة الشاقة بالعيص والتي تركزت عليها الهزات الأخيرة فأذهان الباحثين إليها ما يسمى بـ"حرة النار" أو حرة أشجع والتي يطلق عليها الآن حرة خيبر أو حرة بني رشيد، وهي تأتي –بحسب الباحث الشنقيطي-في المرتبة الثانية من حيث المساحة بعد حرة بني سليم، وتبتدئ جنوبا من الصويدرة والشقرة وتنتهي شمالا بوادي المخيط الذي يفصل بينها وبين حرة ليلى، وشرقا من بلدة الحليفة على طريق المدينة – حائل، وتنتهي غربا عند برمة قرب الطريق الواصل بين المدينة المنورة والعلا المار بالمليليح وشجوى.
وتشير المصادر أيضا إلى "حرة عويرض" واسمها التاريخي حرة كريتيم وتقع غرب مدينة العلا مشرفة عليها ويبلغ طولها حوالي 120 كم وعرضها أقل من ذلك. وتوجد حرار أخرى شمال المملكة منها حرة الرهاة وحرة الحرة وكانت تسمى تاريخيا حرة سلامان وحرتي بهل.
أكد مدير المركز الوطني للزلازل والبراكين بهيئة المساحة الجيولوجية المهندس هاني بن محمود زهران خلال حديثه لـ "الوطن" انخفاض النشاط الزلزالي من حيث العدد والقوة حيث قل إحساس الأهالي – بحسب قوله - بالهزات، مشيرا في ذات السياق إلى أن الهيئة تراقب باهتمام بالغ تركيز غاز الرادون. ودعا سكان الحرات إلى الابتعاد عنها نظرا لأنهم معرضون للثوران البركاني.
وكشف زهران في اللقاء الذي تحدث فيه عن طبيعة الهزات الارتدادية التي أصابت المدينة وعددا من مناطق المملكة عن الدرجة التي يمكن أن يستشعر فيها بحالة الخطر، مشيرا إلى أنه جار التفكير حاليا في حفر قنوات تحت سطح القشرة الأرضية عند فوهات البراكين لانسياب المواد المنصهرة من خلالها قبل وصولها إلى الأرض.
كما أشار المهندس هاني زهران إلى وجود مراصد كثيرة بالعالم رصدت هزات العيص إلا أنه يؤكد على وجود نسبة خطأ في قيم البيانات الزلزالية المحللة بواسطة هذه المراكز بسبب نقص البيانات.
وقال إنه سيتم تحديث محطات الرصد بالمدينة واستخدام الأقمار الصناعية لنقل البيانات الزلزالية.
وكشف زهران عن جوانب إيجابية خلال حديثه عن البراكين والزلازل، إضافة إلى تطرقه لعدد من القضايا. وفيما يلي نص الحوار:
وأوضح أن النشاط الزلزالي الحديث مركزه في حرة الشاقة وهي تقع في المنطقة الحدودية بين المدينة المنورة ومنطقة تبوك، ويبعد مركزها شمال المدينة المنورة بحوالي 220 كلم، ولكنه مرتبط بحرة الشاقة (لونير)، أما بخصوص آخر المؤشرات، فأهم هذه المؤشرات انخفاض النشاط الزلزالي من حيث العدد والقوة حيث قل إحساس الأهالي بالهزات. وتراقب الهيئة باهتمام بالغ تركيز غاز الرادون الذي أشار آخر بيان لهيئة المساحة الجيولوجية أمس إلى انخفاض معدلاته.
وأشار إلى أنه توجد عوامل كثيرة تندرج تحت هذا السؤال من حيث تأثير الهزات على المباني، ومنها قوة الهزة، وبعدها عن المباني، وعامل تكبير التربة للموجات الزلزالية، فقد تعمل التربة على تكبير هذه الموجات أحيانا مما يزيد تأثيرها على المباني، ومن الممكن أيضا
أن تعمل التربة على اضمحلال الموجات الزلزالية. فالزلازل ضحلة العمق تؤثر بشكل كبير على المباني، وبشكل عام تتأثر المباني بالهزات التي تصل قوتها لأكبر من 5 درجات على مقياس ريختر.
الهزات الارتدادية
وعن الهزات الارتدادية، أوضح أن معناها، الزلازل التي تتبع الزلزال الرئيسي، وتسمى أحيانا بالتوابع، لأنها تلي الهزة الكبيرة، حيث تحدث الزلازل على ثلاثة أنماط: النوع الأول، الزلزالي الرئيسي حيث يسبقه عدد من الهزات ويليه مجموعة تسمى التوابع أو الهزات الارتدادية، حيث تقل في العدد والقوة مع الوقت، النمط الثاني، ويتميز بحدوث الهزة الرئيسية بدون حدوث هزات قبله، ولكن تحدث هزات تابعة له أو ارتدادية، أما النوع الثالث
فهو ما يسمى بالحشود أو العواصف الزلزالية وهو ما يحدث في حرة الشاقة حالياً.
آبار للتنفيس عن الغازات
وقال أحب أن أوضح أن العلماء والباحثين في علم الزلازل لا يكلون ولا يملون من السعي إلى إيجاد الطرق التي من شأنها التخفيف من المخاطر الطبيعية بشكل عام بما في ذلك الزلازل والبراكين، وجار التفكير حاليا في حفر قنوات تحت سطح القشرة الأرضية عند فوهات البراكين لانسياب المواد المنصهرة من خلالها قبل وصولها إلى الأرض، وكل هذه المحاولات من جانب العلماء من أجل الحفاظ على أرواح الناس والتقليل من المخاطر الطبيعية.
المراصد الموجودة
وبين أنه توجد مراصد كثيرة بالبلدان المجاورة لنا رصدت هزات العيص وخاصة تلك الهزات التي تصل قوتها لأكبر من 4 درجات على مقياس ريختر، علما بأن محطات الرصد الزلزالي التابعة للمراكز الدولية تسجل الأحداث الزلزالية، ولكن كلما بعدت المسافة بين المركز الزلزالي والمحطة، كلما ضعفت الموجات الزلزالية المسجلة، مما يؤثر إلى حد ما على دقة البيانات الزلزالية المحللة بهذه المراكز، وبشكل عام فإن النتائج الصادرة عن المراكز المحلية تكون أكثر دقة من المراكز الدولية البعيدة، نظرا لقربها من الحدث وإيجاد تغطية بشكل جيد حول الهزات الأرضية.
إيجابية الزلازل
ولفت إلى أن جميع الظواهر الطبيعية التي تحدث في البيئة المحيطة بنا، لها جانب إيجابي، وهذه من حكمة المولى عز وجل، ورحمة منه سبحانه بالعباد، فمثلا الزلازل رغم الأضرار التي تحدث بسببها، إلا أنها تعتبر تنفيسا مستمرا للطاقة المختزنة في باطن الأرض، ولولا خروج بعض من هذه الطاقة على شكل زلازل لانفجرت الكرة الأرضية نتيجة وجود هذه الطاقة تحت ضغوط كبيرة جدا. ولولا البراكين لما كانت الثروات المعدنية التي يستخدمها الإنسان.
وكشف عن توجه لتحديث محطات الرصد بالمدينة المنورة واستخدام تقنية الأقمار الصناعية في نقل البيانات الزلزالية المسجلة واستقبالها بالمركز الرئيسي بجدة.
أضرار على سكان الحرات
وقال إنه من الضروري ومن المنطق أن نبتعد عن كافة الأماكن التي يمكن أن تتعرض لأي ظواهر طبيعية كالزلازل والبراكين ومجرى السيول، وأخذ كافة الاعتبارات العلمية والهندسية عند إنشاء تلك المخططات، فلا يجوز مثلا وجود مخطط في مجرى السيول، لأنه من الطبيعي أن يجرف السيل كل شيء يعترضه، ولا في أماكن الحرات لأنها معرضة لثوران بركاني ولكن على فترات بعيدة المدى، أما فيما يخص المباني وإقامتها بالقرب من أماكن النشاط الزلزالي، فلا ضرر في هذا، إذا ما وضع في الاعتبار المعايير الهندسية لأكواد المباني السعودي حتى يمكن لهذه المباني مقاومة الزلازل عند حدوثها، فاليابان مثلا تحدث فيها الزلازل بأعداد كبيرة ومعظمها من الزلازل القوية، ومع ذلك يتعايشون معها من خلال وضع المعايير الهندسية عند إنشاء هذه المباني، لذا، فإننا نهيب بالأهالي للبعد عن الأماكن المعرضة لثوران بركاني وكذلك المعرضة لمجرى السيول. و لا يوجد غير الشبكة الوطنية للرصد الزلزالي، والشبكة المحلية لمراقبة النشاط الزلزالي في حرة رهاط على مستوى المملكة تنفيذا لقرار مجلس الوزراء الموقر رقم 228 بتاريخ 13/8/1425، والقاضي بإيكال عملية الرصد الزلزالي لهيئة المساحة الجيولوجية السعودية، وتتكون الشبكة الوطنية من 67 محطة رصد زلزالي منتشرة في كافة أنحاء المملكة، كما تتكون الشبكة المحلية بالمدينة المنورة من 10 محطات رصد زلزالي لمراقبة النشاط الزلزالي حول حرة رهاط..
أنه تنتشر البراكين بشكل عام على حواف الصفائح التكتونية حيث يوجد ارتباط كبير بين حدوث الزلازل والبراكين، حيث تقع نسبة كبيرة من الزلازل على حواف الصفائح التكتونية، كما تنتشر بعض البراكين داخل الصفائح التكتونية كما هو الحال في الجزيرة العربية مما يشكل خطورة في المناطق التي تتأثر بالبراكين، حيث يتركز النشاط البركاني على طول الجانب الغربي من المملكة ومنطقة خليج عدن.طبيعة براكين المدينة