عن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْهِجْرَةِ، فَقَالَ: ((وَيْحَكَ! إِنَّ شَأْنَ الْهِجْرَةِ لَشَدِيدٌ، فَهَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ )) قَالَ: نَعَمْ! قَالَ: فَهَلْ تُؤْتِي صَدَقَتَهَا؟، قَالَ: نَعَمْ! قَالَ: فَاعْمَلْ مِنْ وَرَاءِ الْبِحَارِ، فَإِنَّ اللهَ لَنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئًا)). صحيح مسلم (1865)، قال النووي: “وَالْمُرَادُ بِالْهِجْرَةِ الَّتِي سَأَلَ عَنْهَا هَذَا الأَعْرَابِيُّ؛ مُلازَمَةُ الْمَدِينَةِ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَتَرْكُ أَهْلِهِ وَوَطَنِهِ، فَخَافَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن لا يَقْوَى لَهَا، وَلا يَقُومَ بِحُقُوقِهَا، وَأَنْ يَنْكُصَ عَلَى عَقِبَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ شَأْنَ الْهِجْرَةِ الَّتِي سَأَلْتَ عَنْهَا لَشَدِيدٌ، وَلَكِنِ اعْمَلْ بِالْخَيْرِ فِي وَطَنِكَ، وَحَيْثُ مَا كُنْتَ، فَهُوَ يَنْفَعُكَ، ولاينقصك اللَّهُ مِنْهُ شَيْئًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ”. شرح النووي على مسلم (13/ 9)
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا)) صحيح البخاري (2783)، ومسلم (1353).
عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: ((لا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ حَتَّى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ، وَلا تَنْقَطِعُ التَّوْبَةُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا)) سنن أبي داود (2479) صحيح الجامع (2642)، المشكاة (2346)، الإرواء (1208).
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ السَّعْدِيِّ، رَجُلٍ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ حَسَلٍ، أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالُوا لَهُ: (احْفَظْ رِحَالَنَا، ثُمَّ تَدْخُلُ). وَكَانَ أَصْغَرَ الْقَوْمِ، فَقَضَى لَهُمْ حَاجَتَهُمْ، ثُمَّ قَالُوا لَهُ: (ادْخُلْ) فَدَخَلَ. فَقَالَ: "حَاجَتُكَ؟ " قَالَ: (حَاجَتِي؛ تُحَدِّثُنِي: أَنْقَضَتِ الْهِجْرَةُ؟) فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: (( حَاجَتُكَ خَيْرٌ مِنْ حَوَائِجِهِمْ، لا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا قُوتِلَ الْعَدُوُّ)). مسند أحمد ط الرسالة (37/ 10) (22324) واللفظ له، وسنن النسائي (4172) صحيح الجامع (1687)، الصحيحة (1674)
إذن فالهجرة خصلتان؛ هجرة تامة فاضلة لا يساويها ولا يوازيها شيء، وهي الهجرة من مكة وغيرها إلى المدينة، وهذه انقطعت وانتهت بفتح مكة، وهجرة دائمة مستمرة وهي هجر المنكرات والمعاصي والسيئات، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو ابْنِ الْعَاصِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (( الْهِجْرَةُ هِجْرَتَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَهْجُرَ السَّيِّئَاتِ، وَالأُخْرَى أَنْ يُهَاجِرَ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَلا تَنْقَطِعُ الْهِجْرَةُ مَا تُقُبِّلَتِ التَّوْبَةُ، وَلا تَزَالُ التَّوْبَةُ مَقْبُولَةً حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنَ المَغْرِبِ، فَإِذَا طَلَعَتْ طُبِع -وفي رواية: ختم- عَلَى كُلِّ قَلْبٍ بِمَا فِيهِ، وَكُفِيَ النَّاسُ الْعَمَلَ))